دكتور محمد الشافعي
اللبلاب نبات متسلق، لا ينمو مستقيمًا ولا يمد جذوره في الأرض ليقف صامدًا، بل يتلوى باحثًا عن جدار أو جذع يلتصق به، لا لشيء سوى أن يحقق مصلحته في البقاء والامتداد. وفي الحياة، ثمة بشر يشبهون هذا النبات أيما شبه، لا يتحركون إلا في محيط منافعهم، ولا يمدون أيديهم إلا نحو ما يظنون فيه منفعة عاجلة أو مغنمًا دنيويًا، ولو كان زهيدًا لا وزن له. هؤلاء لا يعرفون للكرامة طريقًا، ولا للمبدأ قيمة، فهم يستهينون بذواتهم ويهينون كرامتهم في سبيل تحقيق مأرب صغير، يبيعون قناعاتهم بأبخس الأثمان، ويخلطون الدناءة بالدهاء ليظهروا أقوياء وما هم إلا عبيد للمصلحة.
منهم من يجوب المكاتب كما يجوب اللبلاب الجدران، ينقل خبرًا من هنا وكلمة من هناك، طامعًا في أن يحوز نظرة رضا أو مكسبًا عابرًا، لا يكل ولا يمل، لسانه لا يعرف إلا لغة الحساب والبيع والشراء، فإذا تكلمت معه وجدت حديثه كله منصبًا على المادة، لا يري في الناس إلا زبائن محتملين، ولا في العلاقات إلا سُلَّمًا يتسلقه. ولأن غايته ضيقة، تراه يضغط ويهدد ويتودد، يضحك حينًا ويتباكى حينًا آخر، يصطنع الزعل ويُظهر المظلومية، ليجبر الناس على شراء بضاعته المهلهلة أو كتابه الجامعي الفارغ من القيمة.
هو كائن يُنتج طاقة سلبية أينما حلّ، فلا تجده إلا ناقلًا للشائعات، شاكياً باكياً، لا يستقر له حال ولا يطمئن له جليس، كأنه ريح عاتية لا تترك وراءها إلا الضيق والضجر. ومن ابتُلي بمجالسته أو معاشرته، عرف أنه لا سبيل لمصادقته، فالصداقة لا تقوم إلا على صدقٍ ونبلٍ ووفاء، وهذه كلها فضائل لا يعرفها، بل يسير عكسها تمامًا، لا بخطوات وئيدة بل مسرعًا، مندفعًا بكل ما أوتي من مكر وجرأة في الباطل.
إنه صورة من صور القبح الإنساني، أنموذج ينبغي أن يُدرس لا باعتباره حالة فردية، بل لأنه يكشف جانبًا مظلمًا من النفس البشرية حين تفرغ من المبدأ وتخلو من الضمير، فلا يبقى منها إلا دودة تتسلق، ولبلاب يتلوى، وطريق كله اعوجاج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق