دكتور محمد الشافعي
إذا اجتمعت صفات الغيرة والغرور والغباء في إنسان، فقد اكتمل فيه مثلث الهلاك، وأصبح كيانًا مشوهًا لا يُرجى له شفاء، ولا يُنتظر منه خير، ولا يُرجى في طريقه نور. فالغيرة نارٌ تأكل قلب صاحبها قبل أن تمتد إلى غيره، تغلي في صدره حقدًا، وتُغشي عينيه عن رؤية النِعم، فتجعله يزهد في ما عنده ويتلظى لما في أيدي الآخرين، فلا يسعد ولا يُسعد. فهمي بمثابة السم، لذا ساطلق عليها مسمي سموم النفس
أما الغرور، فهو مرآة مشوّهة يرى فيها صاحبها نفسه أكبر مما هو عليه، ويتوهّم الكمال في ذاته، فيغلق أبواب التعلم، ويرفض النقد، ويستنكف الاعتراف بالخطأ. يُصاب بعُمى الكبرياء، فلا يرى إلا ذاته، ولا يسمع إلا صدى صوته، فينعزل عن الواقع، ويخسر الناس، ويُصبح كمن يعيش في برج عاجي لا يطرق بابه أحد.
ثم يأتي الغباء، ليُكمل هذا الثالوث المُهلك، فيُغلِق على العقل نوافذ الفهم، ويُطفئ في القلب نور البصيرة. والغبي، حين يُصاب بالغيرة، يُفسد ولا يُصلح؛ وحين يتزيّن بالغرور، يُضحك عليه من حوله دون أن يدري. فهو لا يُحسن تقدير الأمور، ولا يفرق بين الصواب والخطأ، فيُسرف في ظنونه، ويتصرف بجهالة، ويعتمد على أوهى الحجج دفاعًا عن نفسه، فيزيد من عزلته ويضاعف من ضرره.
وإذا اجتمعت هذه الصفات الثلاث في إنسان، صار عبئًا على كل من حوله، فلا هو قادر على بناء علاقة سوية، ولا يستطيع خوض حوار نافع، ولا يملك المرونة النفسية التي تسمح له بالتطور أو التغيير. يُصبح أسيرًا لقلب حاسد، ونفس متعجرفة، وعقل قاصر. لا يتقدم خطوة إلا عاد أدراجها عشرًا، ولا يخوض تجربة إلا خرج منها منكسرًا أو مكروهًا.
أما أثره على المجتمع، فهو أخطر مما يُظن؛ إذ تُفسد الغيرة العلاقات، ويزرع الغرور الكراهية، ويُنبت الغباء الفوضى وسوء الفهم. فيصبح هذا الشخص مصدر فتنة بين الناس، يُشيع البغضاء، ويكسر جسور التفاهم، وينشر سمومه دون أن يشعر، كريحٍ عاصفةٍ لا تبقي ولا تذر.
وما أقسى أن تُحاصر النفس بثلاثة أعداء يسكنونها ويُغلقون منافذ النجاة أمامها! فلا سبيل للعقل أن يهتدي، ولا للقلب أن يصفو، ولا للروح أن تطمئن. فالغيرة المفرطة تُميت الرضا، والغرور يُعطل التواضع، والغباء يُقيد كل سُبل النجاة. وحين يُبتلى الإنسان بكل ذلك، يصبح كالسفينة التي فقدت بوصلتها في بحر هائج، لا أمل لها في مرفأ، ولا نجاة لها من الغرق.
ومن أراد الحياة بنقاء، والنجاة بسلام، فعليه أن يُطهر قلبه من الغيرة، ويُهذب نفسه من الغرور، ويُجاهد جهله بالعلم والتأمل والتواضع، فذلك درب الناجين، وسبيل الأذكياء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق