دكتور محمد الشافعي
ثبات الطباع وصعوبة التغيير
رغم كل ما ينزل من السماء من ماء عذب رقراق، يظل البحر على ملوحته لا يتغير طعمه ولا يبدّل جوهره. وهكذا بعض الناس، تراهم يسبحون في بحار من النصح، وتغمرهم أمواج من التوجيه، ويغشاهم سيل من المحبة والحرص، لكن قلوبهم تبقى على حالها، وعقولهم مستمسكة بما اعتادت عليه من قناعات، كأنها صخور صلبة لا تنفذ إليها قطرة ماء.
إن تغيير القناعات ليس بالأمر الهيّن، فهو لا يتم بالوعظ وحده ولا بالمجادلة ولا بالإكثار من المحاولات، وإنما يحتاج إلى استعداد داخلي من صاحب القناعة نفسه. فإذا أغلق الإنسان بابه دون التغيير، فلن تُجدي المفاتيح كلها نفعًا. وكما قال الحكماء: "لا يمكن أن توقظ من يتظاهر بالنوم."
لذلك، فإن إرهاق النفس في محاولة تحويل فكرٍ جامد أو إقناع قلبٍ لا يريد الاقتناع، إنما هو هدرٌ للطاقة وخصمٌ من رصيد راحة البال. فما أجدر بالإنسان أن يريح نفسه، وألا يجعل سعادته مرهونة برضا الآخرين أو بتبديل آرائهم، بل يمضي في دربه مستمسكًا بقناعاته هو، ما دام الحق دليله والعقل رائده.
إن الحكمة تقتضي أن نفرّق بين من يستمع ليهتدي، وبين من يستمع ليجادل ويُعاند. الأول يستحق أن تبذل له الجهد وتغرس فيه البذور، أما الثاني فتركه أولى، فالأرض المالحة لا تُنبت مهما أفرغت فيها من ماء السماء.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق