2025-12-20

كراهية باسم مستحق

 

دكتور محمد العوادي 

في زحمة الحياة التي نُساق فيها دون هوادة، تلتف حولنا وجوه كثيرة، وتمر بنا أسماء عديدة، بعضها يمر بسلام كنسمة عابرة، وبعضها يُحدث في النفس انقباضًا لا تفسير له، نفورًا لا تُخطئه الحواس، وكأن وراء الحروف لعنة متوارثة، أو سُمًّا مستكنًّا في النطق. مثل اسم (ح..ي).

إن من عجائب التجارب الإنسانية، أن تقترن بعض الأسماء – دون غيرها – بكل ما هو كريه وممجوج. أسماء لا تطرق سمعك إلا ويصيبك ضيق مفاجئ في الصدر، وخاطر كاسد، وذكرى لا تُسرّ. لا لأنها مجرد أسماء، بل لأنها صارت عنوانًا لطبائع نتنة، وسلوكيات كريهة، ومواقف تعافها النفوس السوية. أسماء تحمل في طيّاتها رائحة النرجسية المفرطة، وكِبر مُستفز، وعُجب أجوف، وفخامة زائفة تثير الشفقة لا الإعجاب.

هم أولئك الذين إذا تكلّموا فسد الذوق، وإذا حضروا ثقُل الجو، وإذا نظروا أشاح عنهم الكرام. لا يَعرفون للحياء بابًا، ولا للّباقة سبيلاً، يظنون أنفسهم محور الكون، ويعتقدون أنهم زُبدة الخلق، وأن الحياة دُوّنت خصيصًا لتروي سيرتهم. سُلوكهم مزيج من الوقاحة المبطنة بالتصنّع، والذكاء المغشوش بالادّعاء، والتطفل المغلّف بثقة زائدة. تَراهم يتحدثون عن أنفسهم كما لو أنهم أوصياء على العظمة، ويتعاملون مع الناس بمنطق التفضّل، وكأنّ من حولهم أدنى منزلة وأقل قدرًا.

إنهم أصحاب الابتسامة المسمومة، والمجاملات الملوّثة بالمصلحة، والقلوب التي لا تعرف صدقًا ولا ودًّا، بل تملؤها الغيرة، وتتغذى على التقليل من الآخرين. تظنهم أصدقاء، فإذا بهم ألسنة حداد، وخناجر مسمومة خلف ظهور من أحسن إليهم. يُتقنون فنون الالتفاف، ويتقمّصون أدوار الملائكة وهم شياطين في ثياب البشر.

ويكفي أن يُذكر اسم أحدهم (ح...ي)، حتى تتهيج في الذاكرة مشاهد القبح كلها: إساءة من حيث يدّعي اللطف، استعلاء يتخفّى خلف كلمة منمقة، وأذى يوزعونه باسم النصح أو المزاح. كل شيء فيهم صناعي، صوتهم، ضحكتهم، كلماتهم، حتى حزنهم تمثيل، وفرحهم عُري أخلاقي.

هم آفة العلاقات وعلي رأسهم (ح...ي)، وسمّ المجالس، ومرض المجتمعات المتحضرة. لا هم نجحوا في أن يكونوا محترَمين، ولا استطاعوا أن يصيروا محبوبين، لأنهم ببساطة اختاروا أن يكونوا فوق الناس، فصاروا تحتهم. منبوذون بلا تصريح، مكروهون بلا إعلان، تُدار عنهم الوجوه طوعًا، وتُسحب منهم الأُلفة بلا ندم.

وعلى رأس هذه القائمة، يتربّع اسم ما أن يُقال حتى يتقزز اللسان، وتأنف الأذن، وتشرد العين بعيدًا، كأنها ترفض أن تُواجه به واقعًا تكرهه. اسم بات مرادفًا للقبح البشري في أنقى صوره، يجمع بين الغلظة والنفاق، وبين اللزوجة والتعالي، وكأنه خُلق ليكون نذير شؤم في كل مكان. إلا وهو (ح...ي)

إنهم قُبْحُ الحياة المتحرّك، ووجهها الذي لا يُطاق، فالحذر منهم واجب، والبعد عنهم غنيمة، وكرههم في الله من تمام العافية.

ليست هناك تعليقات: