دكتور محمد العوادي
في حياة كل إنسان لحظات يشعر فيها وكأن الأرض قد ضاقت بما رحبت، والسماء قد أُغلقت أبوابها، والناس قد تواروا عن أنظاره واختفوا من حوله، فيقف وحيدًا أمام جبال من الهموم، عاجزًا عن الحركة، مشوش الذهن، لا يدري إلى من يلتجئ ولا كيف يخرج من ضيقه. تلك اللحظة الفارقة التي تنكسر فيها النفس وتنهار فيها القوة، لا يكفيها فيها مواساة صديق ولا يُجدِيها احتضان قريب، لأن الألم أعمق من الكلمات، والاحتياج أكبر من البشر.
حينها فقط، تتضح الرؤية وتتجلى الحقيقة، وتدرك أن الركون إلى غير الله وهم، وأن التعلق بالبشر ضعف، وأن أقوى سند يمكن أن يُمنح للمرء هو سند السماء. هو الله، الحي الذي لا يموت، الحاضر الذي لا يغيب، القريب الذي لا يُنسى، السميع الذي لا يملّ شكواك، والبصير الذي لا يغفل عن حالك.
ربما تتساءل في لحظة ألمك: أين الناس؟ أين من وعدوا بالبقاء؟ أين من أقسموا ألا يتركونك وحدك؟ لكن الإجابة تأتي من أعماق وجدانك: لقد رحلوا، أو خذلوك، أو انشغلوا، أو لم يشعروا بما تحمله من وجع. هم بشر، وما البشر إلا ظلال زائلة، لا يقوون على حمل أنفسهم، فكيف يحملونك؟!
وحين تنظر إلى السماء وتقول: يا رب، فقط بهذه الكلمة، تنقلب الموازين. تشعر أن القلب قد استراح، وأن الحمل قد خفّ، وأن الجرح بدأ يلتئم. لأنك لجأت إلى الذي لا يموت، إلى من بيده كل شيء، إلى من وعدك وقال: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾، وأنت تعلم أن وعده صدق، وأنه لا يُخلف الميعاد.
الناس تتغيّر، والقلوب تتقلب، والمشاعر تموت، لكن الله لا يتغير، ولا يغيب، ولا يتخلى. هو الذي إذا أردت شيئًا قال له: كن، فيكون. هو الذي يراك وأنت في ظلمة ليلك تتألم ولا تنام، ويسمع أنين قلبك دون أن تنطق. هو الذي إذا اعتصمت به، أعزك، وإذا استعنت به، أعانك، وإذا توكلت عليه، كفاك.
فلا تحزن إذا وجدت نفسك وحيدًا، ولا تجزع إن خذلك أقرب الناس، ولا تيأس إن أُغلقت في وجهك الأبواب. ما دمت عرفت طريق السماء، فأنت بخير. وما دمت عرفت اسم الكبير، فأنت لست ضعيفًا. وما دمت قلت بقلبك: حسبي الله، فقد كفاك.
﴿ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾
فهو خير من توكّلت عليه، وأرحم من لجأت إليه، وأقرب من ناجيته سرًّا ودمعًا وصمتًا.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق