دكتور محمد الشافعي
وهم الاحتفال بعيد الميلاد
من العادات التي ترسّخت في حياتنا المعاصرة، عادة الاحتفال بأعياد الميلاد. غير أنّ التأمل العميق يكشف لنا أن هذا اللون من الاحتفاء ليس بالضرورة مصدرًا للبهجة، كما يُصوَّر، بل قد يكون تذكيرًا خفيًّا بمرور العمر واقتراب الأجل. فكيف يُعقل أن نفرح بزيادة عام جديد من أعمارنا، بينما الحقيقة أنه عام نُقص من رصيدنا على هذه الأرض؟
إنّ فكرة عيد الميلاد تُقدَّم لنا باعتبارها مناسبة للفرح، لكنّها في جوهرها علامة على انقضاء زمنٍ كان يمكن أن يُستثمر في العمل، والعلم، والبرّ، والتقوى. فإذا كان العمر رأس مال الإنسان، أفلا يكون من الغرابة أن نحتفل بتناقصه؟!
قد يُقال إنّ الأمر لا يعدو كونه عادة اجتماعية، أو لحظة لقاء يتبادل فيها الناس التهاني والهدايا. غير أن السؤال الجوهري يظل مطروحًا: من الذي وضع هذا السياق؟ ومن منح هذه الطقوس قدسية تُمارَس وكأنها من المسلّمات؟ إنّ كثيرًا من الممارسات في مجتمعاتنا تُؤخذ تقليدًا دون مراجعة، حتى تغدو مع مرور الزمن جزءًا من "الطبيعي" الذي لا يُسأل عن جدواه.
إن رفض الاحتفال بعيد الميلاد ليس خروجًا عن السياق، بل هو اعتراض واعٍ على سياق لم نختره نحن، وإنما فُرض علينا عبر أنماط ثقافية دخيلة أو عبر سطوة العادة. وهو في جوهره دعوة إلى التفكير: ماذا نحتفل به حقًّا؟ هل نحتفل بالزمن الذي انقضى، أم بما أنجزناه فيه؟ فإن كان لا إنجاز ولا إضافة، فما جدوى الاحتفال؟
إنّ البديل الأجدر أن يحوِّل الإنسان ذكرى ميلاده إلى وقفة محاسبة ومراجعة؛ يوم يتأمل فيه ما قدّم، ويخطّط لما بقي من أيامه، فيتزوّد بالتجارب والعبر بدلاً من أن يغرق في طقوسٍ خاوية من المعنى. وهنا يكمن الفارق بين من يعيش عمره غافلاً، ومن يعي أن كل عام يمضي ليس إضافة إلى رصيده، بل خصمًا منه.
فالاحتفال الحقّ ليس بالميلاد، بل بما يتركه الإنسان من أثر نافع، وبما يزرعه من خير في قلوب من حوله. أمّا العمر، فإنه مهما طال، يظل رحلة قصيرة لا تحتمل أن تُهدر في أوهام الاحتفالات.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق