2025-12-25

راحة البال

 

دكتور محمد الشافعي 

طهارة القلب وحسن الاختيار

في حياة الإنسان محطات يلتقي فيها وجوهًا شتى، منهم من يُنير الدرب بحضوره، ومنهم من يطفئ القلوب بظلام نفسه. وليس أشقّ على الروح من معاشرة مَن انحرفت طباعه واعتادت نفسه الأذى؛ فالطمع إذا تمكن من صاحبه أورثه جشعًا لا يُروى، والأنانية إذا رسخت جعلت الإنسان لا يرى إلا نفسه، واللؤم إذا استوطن قلبًا أحاله قفرًا لا يعرف وفاءً ولا عرفانًا.

هؤلاء لا يُواجهون بالحقيقة، لأنهم لا يعترفون بها. فالاعتراف يحتاج نفسًا حيةً، ضميرًا يقظًا، وبيتًا أصيلًا قد غُذّي على مكارم الأخلاق. أما مَن تربى على اعوجاج أو ألف الخداع والادعاء، فلن يلين قلبه باعتذار، ولن يُصلح لسانه كلمة: "سامحني".

ومن هنا، فإن الحكمة تقضي بالصمت والانسحاب الهادئ؛ فالمواجهة عبث، والجدال استنزاف، والمكابرة معهم تزيد الروح وهنًا. الرحيل عنهم حماية للنفس، وصون للكرامة، وحفاظ على الطمأنينة. فالإنسان الطيب لا يطيق أن يكون سبب ألمٍ لأحد، ويكفيه أن تلوّح فكرة الإضرار بغيره حتى يرتعد منها قلبه.

وعلى المرء ألا يسمح مهما كانت الروابط والقرابة أن تُمسَّ قيمته أو يُهدر جهده. فالقلب الطاهر يستحق أن يُجاور قلوبًا نقية، والروح السامية لا يليق بها أن تُعاشر أرواحًا دنيّة. فحسنُ الاختيار نعمة، وهو نصف راحة البال؛ فمن أحاط نفسه بالأوفياء عاش مطمئنًا، ومن غفل عن ذلك، سلّط على قلبه من يُتعبه ويُنغص عيشه.

فإياك أن ترخص نفسك في سوقٍ لا يعرف قيمتك، وكن على يقين أن الطمأنينة لا تُشترى بكثرة الوجوه من حولك، بل بجودة من تختار أن يكونوا معك وفيك.

ليست هناك تعليقات: