دكتور محمد الشافعي
حين ترى الساقط يجالس الخسيس، والمبتذل يتبادل الضحكات مع من باع كرامته في أول مزاد، فاعلم أن المشهد ليس بريئًا، وأن خلفه رواية محزنة من التواطؤ والانحدار، فيها من الابتذال ما يكفي لتغلق نوافذك وتغسل قلبك من دنس المشهد. فليس اجتماع المتدنيين صدفة عابرة، بل هو انسجام طبيعي بين النفوس الدنيئة، وكل إناء بما فيه ينضح.
النفوس الوضيعة تنجذب إلى بعضها كما تنجذب الرائحة الكريهة لمكبات النفايات، لا لشيء إلا لأن التشابه يجمعها، والمستوى المتدني في الفكر والأخلاق والمروءة هو القاسم المشترك الأعظم. إنهم يتكاثرون في الظلمة، حيث لا ضوء يفضح وجوههم ولا ضمير يحاسبهم. ما يجمعهم ليس الحب ولا الصداقة ولا المبادئ، بل لغة المصالح الرخيصة والمكاسب الدنيئة التي تُباع فيها النخوة بأبخس الأثمان.
وحين تحاول أن تفهم سر انسجامهم، ستدرك أن من يفتقد القيم لا يأنف من الجلوس في أحضان الانحطاط، وأن من تعرّت ضمائره لا يخجل من ملامسة الطين، بل وربما يتزين به. هؤلاء لا يصيبهم العار، لأنهم ولدوا في مستنقعاته وتربوا على مائدته، وإذا ما اقتربت منهم، شعرت بثقل الهواء من كثرة النفاق والدناءة.
فلا تستغرب إن رأيت الحقير يبتسم للخائن، ولا تتعجب إن سمعت التافه يمدح الكاذب، فذلك كله في عُرفهم من قواعد اللعب. أما الكرام، فينأون بأنفسهم عن هذه المجالس، يعلمون أن الطهارة لا تجتمع مع القذارة، وأن المعادن النفيسة لا تُعرض على أرصفة الباعة.
اتركهم يغرقون في بعضهم، ولا تلتفت إلى من غلّف الخسة بالابتسامة، فالحقيقة لا تخفى على ذي بصيرة. ومن لا يعرف قدر نفسه، فلن يعرف قدر غيره، ومن باع روحه بثمن بخس، فهو شريك في كل خيانة، شاهد على كل سقوط، ومسوّق لكل رخص.
دعهم لبعضهم، فما وُجدوا إلا ليكونوا عِظة لغيرهم، ودليلًا على أن السفالة، مهما تجملت، تبقى سفالة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق