دكتور محمد العوادي
في هذا العالم المكتظ بالوجوه، يمرّ بك من البشر صنوف شتّى؛ فيهم من ترتاح له النفس وتأنس لوجوده، وفيهم من يبعث فيك التقزّز من أول وهلة، لمجرد أن يُذكر اسمه، كأن في نطقه لعنة متأصلة، ورائحة قبح لا تُطاق. وكم من مرّة سمعت اسمًا، فانقبض صدرك لا إراديًّا، وشعرت كأنك جرّعت غصّة دون سبب ظاهر. وعلى رأس هذه الأسماء المسمومة، يجيء اسم "ح...ي" ليتربع في قاع القذارة النفسية والخلقية، كرمز لكل ما هو ممجوج ومكروه وبغيض.
إن صاحب هذا الاسم ليس مجرد شخص سيئ، بل هو خلاصة الفجور النفسي، ورمز العُجب المرضي، وتجسيد حيّ للفخامة المزوّرة والنرجسية المقززة. تجده يتحدث وكأنه نبي مرسل، ويظن نفسه آية في الجمال، وهو لا يعدو كونه كائنًا منتفخ الأنا، أجوف الروح، ثقيل الدم، غليظ القلب، منفر الطلة، مفضوح التصنع. يوزّع حكمه على الناس بمنطق السيد المتعالي، بينما هو أحقر من أن يُحترم، وأدنى من أن يُصغى إليه.
"ح...ي" ليس فقط نرجسيًّا مريضًا، بل هو بلاء اجتماعي، هو الحقارة متجسدة في جسد انسان واطي حقير، سُمٌّ يُحقن في الجلسات، ووباء يسري في العقول السليمة فيفسدها. مظهره زائف، حديثه زائف، حتى مشاعره زائفة. لا يعرف معنى الحب، ولا يعترف بالودّ، إنما يعيش على التملّق والتسلّق، يُجيد لعق الأحذية حين يحتاج، ثم يعضّ الأيادي التي امتدّت له بالإحسان. لا يُجالس إلا من يُصفّق له، ولا يُخالط إلا من يمدحه، فإن لم يجدهم، شتم فيهم الأرض ومن عليها.
هو ذلك الكائن المتصنّع الذي لا يُؤتمن على سر، ولا يُعوّل عليه في معروف، يلبس قناع الحكمة وهو خاوٍ، وقناع اللطف وهو سُمّ زعاف. يقلب الحقائق لصالحه، ويحرف الوقائع ليُجمّل ذاته المنفّرة، ويظن أن الناس أغبياء لا يرون سفالته المغلّفة بعبارات منمّقة. لسانه سليط، ونفسه لوّامة لا على الذنب، بل على عدم نيل الاهتمام الكافي.
"ح...ي" هو المرآة المكسورة التي لا تعكس إلا التشوّه، والصوت النشاز الذي يفسد كل لحن، والرائحة التي تطرد الطيب من المكان. لا تُطيقه المجالس، ولا تحتمله القلوب، ولا ترحّب به الأرواح. تاريخه عارٍ من النُبل، حافل بالخذلان والخيانة والتسلق على أكتاف الآخرين، وكم من يدٍ امتدت إليه بخير، فقابلها بقلة أصل ووضاعة متأصلة.
هو الإنسان الذي إن ذكرته في مجلس، تغيّرت الوجوه، وارتفع الحاجب استغرابًا، وتنهّد الحضور ضيقًا، فلا أحد يطيق تذكّره، ولا أحد يحتمل وجوده. كل ما فيه يثير الاشمئزاز: صوته، ملامحه، حضوره، سلوكه، وكل ما يتفوه به. إنه قبحٌ متحرّك، وسماجة ناطقة، وغطرسة جوفاء لا تسندها قيمة ولا عقل.
هذا الاسم – وأمثاله – صار وصمةً في الذوق، وجرحًا في سجل العلاقات الإنسانية، ومثالًا لما يجب نبذه وتجنّبه وكراهيته عن ظهر قلب. فليُحذر من "ح...ي" وأشكاله، فإنهم السرطان النفسي الذي يُنهك الأرواح، والعلّة التي تفسد الصفو، والخزي الذي يتبرأ منه كل عاقل.









































.jpg)










