نهى سلامة
هل سنحت لك فرصة زيارة إحدى الدول الإسكندنافية ومعايشة فصل الشتاء فيها؟ إن كنت قد فعلت فإنك بالتأكيد لم ترَ إلا ضوءًا خافتًا لا يكاد يستمر سوى ساعتين في وقت الظهيرة.
وهل سمعت عن حالات الألم والضيق التي تصيب من حولك من مواطني هذه الدول، حيث توجد أعلى نسبة انتحار في العالم في السويد والتي تزيد زيادة كبيرة في فصل الشتاء من كل عام.
إذا أردت فهم هذه الظاهرة فهمًا شاملاً فإليك الاكتشافات التي توصّل إليها علماء برنامج "اكتئاب الشتاء" بجامعة كولومبيا الأمريكية وعلى رأسهم Dr. Micheal Terman مدير البرنامج والفريق المصاحب له، كان آخر هذا الاكتشافات ضمادة تثبت على ركبة المريض تصاحبه في ذهابه وإيابه، وتصدر أيونات تنقّي الجو من حوله؛ فتزيل عنه بعض ما يشعر به من اكتئاب.
قبل أن نستفيض في طرق العلاج لاكتئاب الشتاء، فعلينا أن نتوقف قليلاً عن ماهية هذه الظاهرة؟، وهل يمكن حقًّا أن يصل الإنسان إلى هذه الحالة المرضية المخيفة والتي قد تدفعه للانتحار، أم أنها مجرد مبالغات من علماء خصّصوا أوقاتًا وبرامج لشيء لا يتعدى كونه ظاهرة مؤقتة؟
اكتئاب المناخ.. ظاهرة أم مرض؟
حتى وقت قريب، لم يكن يصدق العلماء أن الإنسان يتأثر بالتغيرات المناخية والتي تختلف باختلاف الفصول، ولم يكن هناك دلائل علمية تشير إلى أن الإنسان يتأثر بطول النهار أو قصره كما تفعل بقية الثدييات، وفي عام 1980 أوضح Dr. A.J.Lewy الطبيب في المعهد الدولي للصحة العقلية بولاية ميريلاند الأمريكية أن فسيولوجيا الإنسان (وظائف الأعضاء) تتأثر بالضوء، وأن شدته تؤثر على انبعاث هرمون الميلاتونين Metatonin من الغدة الصنوبرية pineal Gland، وأوضح أيضًا أن سبب اكتئاب الشتاء هو قلة الضوء المعرّض له الإنسان، وقصر طول النهار من حوله.
أثار هذا البحث - والذي نشر في مجلة العلوم الدولية - المهندس Herbert kem والذي كان يشعر بالاكتئاب في فصل الشتاء من كل عام وخاصة وقت نزول المطر، واستنتج من هذا البحث أنه طالما كان اكتئاب الشتاء بسبب قلة ضوء النهار؛ فإنه من الممكن أيضًا أن يتم علاج الإنسان من هذا المرض باستخدام الضوء، وتحمس الدكتور Lewy لهذه الفكرة وبدأ علاج "كيرن" علاجًا ضوئيًّا حيث عرضه لضوء اصطناعي ساعة في الصباح وأخرى في المساء يوميًّا لفترة طويلة حتى بدأت الاضطرابات النفسية لكيرن تقل إلى حد كبير، نجحت التجربة وأطلق Dr.Lewy على هذا المرض النفسي الاضطرابات الموسمية (SAD) Season Affective Disorder ، والمعروف أيضًا بالشتاء الأزرق Winter blues أو SAD Syndrome، وعُرّف علميًّا بأنه نوع من الاكتئاب له علاقة بالتغيرات الموسمية المختلفة، وأشهر أنواعه هو اكتئاب الشتاء والذي يبدأ غالبًا في آخر الخريف وبداية الشتاء وينتهي بدخول الربيع والصيف، وقد يرتبط المرض بظاهرة مناخية بعينها مثل نزول المطر، أو العواصف والرياح، كما أن هناك نوعًا آخر من الاكتئاب أقل نسبة وشهرة ألا وهو اكتئاب الصيف.
وتُعَدّ نسبة اكتئاب الشتاء في أمريكا من 4% إلى 6%، ويعاني ما يقرب من 10% إلى 20% من أعرض المرض المخففة، كما ثبت أن النساء أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض، حيث تتضاعف نسبة إصابتهن عن الرجل بأكثر من أربع مرات، وتزيد أعراض المرض في أيام الدورة الشهرية.
والمرض له علاقة طردية بتقدم العمر، وليس هذا معناه أنه لا يصيب الصغار، بل رُصِدت حالات عديدة بين الأطفال تحت العاشرة وعند سن البلوغ، ومن الطبيعي أن يزيد المرض كلما اتجهنا إلى الشمال، فهو مضاعف سبع مرات في واشنطن بالمقارنة بفلوريدا.
أعراض الظاهرة
قد تختلف بعض الأعراض من شخص لآخر إلا أن أعراضه الغالبة عادة ما تكون:
-
الإحساس الشديد بالكسل وقلة النشاط.
-
الإرهاق.
-
صعوبة القدرة على التركيز.
-
الميل الدائم للنعاس.
-
الميل للنشويات والحلويات، وبالتالي زيادة في الوزن.
-
ثقل في اليدين والقدمين.
-
الإحساس بالدوران.
-
ميل للعزلة والبعد عن المجتمعات.
يفسّر العلماء ذلك طبيًّا بأن قلة الضوء تسبب نقص السيرتونينSerotonin ، وهو المادة الكيماوية المسؤولة عن الحالة المزاجية للشخص، كما أنها تزيد من إفراز هرمون الميلاتونين Melationin، وهو المادة الكيماوية المسؤولة عن ضبط ساعة النوم فيشعر المريض بالنعاس.
أما النوع الآخر للاكتئاب المسمى "اكتئاب الصيف" والذي لم يَحْظ بقدر كبير من الاهتمام والأبحاث فيعاني منه قاطنو البلاد الحارة بصفة خاصة، وتتلخص أعراضه في:
-
فقدان الشهية للطعام، وبالتالي فقدان للوزن.
-
قلق نومي مرضي.
-
الشعور بفقدان الأمل والمساعدة.
-
قد يتطور الأمر لمشاكل عضوية مثل الصداع وآلام البطن.
وقد عكف الباحثون على إيجاد علاجات مناسبة وبديلة للأدوية النفسية المثيرة للجدل أحيانًا بسبب آثارها الجانبية السيئة، وخاصة لمرض اكتئاب الشتاء والذي يبدو أكثر تعقيدًا لمن يره، فكان العلاج بالضوء Light therapy أحد هذه الطرق البديلة والفعالة.
علاج اكتئاب الشتاء
يُعرّض المريض لصندوق ضوئي يجلس أمامه لمدة 30 دقيقة في الصباح يوميًّا.. شدة الضوء غالبًا ما تكون lux 10.0000 (LUX = 3 Lumen)، وعادة ما يستمر العلاج حتى تتوفر كمية من الشمس عند الربيع.. وقد يستخدم المريض كابا ضوئيًّا Light Visor يلبسه فوق الرأس، ويمكن أن تضبط بعض هذه الأجهزة على ميعاد الاستيقاظ المطلوب؛ وذلك لتثبيط إفراز هرمون الميلاتونين؛ فيشعر الإنسان بالنشاط.
ويصاحب الجهاز بعض المرشحات لحجب نسبة كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية UV، ولا يحتاج المريض للنظر إلى الضوء مباشرة، بل عليه أن يمارس نشاطه العادي ولا يبتعد عن الجهاز إلا عدة أقدام.
وقد يتسبب الضوء الساطع المنبعث من هذه الأجهزة في آثار جانبية عدة، من أهمها: تليُّف العين أو الشبكية، وأحيانًا أعراض خفيفة مثل: الصداع والإرهاق، وهي تظهر على من يقوم باستعمالها في وقت متأخر من الليل، وينجح العلماء يومًا بعد يوم في تطوير هذه الأجهزة، وذلك عن طريق تقليل شدة الضوء المنبعث منها مع عدم تقليل الإفادة الصحية.
أما عن د. Micheat Terman وفريقه، فقد استخدم الأيونات السالبة في علاج الاكتئاب، وذلك عن طريق أجهزة تبعث ما يقرب من 4.5 مليون أيون/ سم المكعب، تعمل هذه الأيونات السالبة على الالتصاق بالأتربة العالقة في الجو والتي تحمل معها الغازات غير المرغوب فيها، والتي تسبب الروائح الكريهة من حولنا، ويحدث ذلك بسهولة حيث إن جزيء الأيون أكبر بمائة ألف مرة من جزيء الغاز، كما أن هذه الأجهزة لديها فلاتر تستطيع إخراج جزيئات في حج 0.3 Micron أو أكبر مثل جزيء الفيروس (0.01 micron).
أطفئ الأنوار في ضوء النهار
عوامل أخرى قد تساعد على هذا النوع من الاكتئاب أو ربما تكون سببًا في حد ذاتها، مثل ضوء الكهرباء الذي قد يضطر الناس إليه في أثناء النهار سواء كان في البيت أم في المكتب أم حتى في المدرسة، وقد تبدو هذه المشكلة جلية في البلاد النامية التي يعاني سكانها من الأبنية المتلاصقة غير الصحية والتي لا ترى ضوء الشمس إلا قليلاً، ولا شك أن هذه الأجهزة قد تكون يومًا أفضل حالاً من الضوء الكهربائي العادي.
ـــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق