2008-05-24

النباتات تتحول إلى وقود


ما زال توفير مصادر متجددة للطاقة أحد أهم التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين ، فقد واكب التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي ، ازدياد الطلب بشكل حاد على كافة مصادر الطاقة ، وبالرغم من الأبحاث التي يتم أجراؤها لتطوير مصادر متجددة للطاقة ، إلا أن حجم التحديات والصعوبات الفنية والتقنية والهندسية ما زالت تشكل عائقا أمام هذه الأبحاث المستمرة .

لقد دلت الدراسات المتعلقة بالطاقة ، أن قطاع النقل بوجه خاص أحد أهم المستهلكين للطاقة ، واحد أهم المتهمين بتلويث البيئة وتغير التوازن الأيكولوجي لكوكب الأرض ، لذلك لجأت العديد من الدول الصناعية إلى دعم الأبحاث العلمية المخصصة لتوفير وقود للسيارات والحافلات بديلا عن الوقود الاحفوري التقليدي المعروف حاليا ، بحيث يكون وقود المستقبل صديقا للبيئة ولا يتسبب في انبعاث غازات الدفيئة أو الغازات التي تحتوي على بعض المركبات الكيميائية الخطرة على البيئة ، وفي نفس الوقت ، يكون متجددا غير قابل للنضوب .

وقد أسفرت تلك التجارب والأبحاث ، عن تطوير نوع من الوقود عرف بالديزل الحيوي biodiesel والذي يشبه إلى حد كبير الديزل الاحفوري المستخدم حاليا ، وأيضا يتمتع بالكثير من الصفات والخصائص الهامة والمميزة ، مما أدى إلى أن تتبنى إنتاجه الكثير من دول العالم الصناعية وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا .

وخلال السنوات الخمس الماضية ، ازداد اهتمام ألمانيا بالديزل الحيوي المستخرج من بذور نبتة اللفت ، ومن بعض مصادر الزيوت النباتية الأخرى ومن مخلفات زيوت القلي والطهي المنزلية والصناعية ، وتدل الدراسات أن 12% من محطات الوقود في ألمانيا والتي يبلغ عددها الإجمالي حوالي 15 ألف محطة ، توفر للمستهلكين الديزل الحيوي ، وهذه النسبة في تزايد مستمر بسبب الدعم الحكومي الكبير لهذا القطاع الصناعي الهام للغاية ، بحيث وصلت الطاقة الإنتاجية إلى أكثر من ثلاثة مليارات لتر سنويا في ألمانيا لوحدها ، تليها فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى .

يقول في هذا الصدد السيد كريستوفر فلافين رئيس معهد وورلد ووتش والمعني بشؤون البيئة ، أن المطلوب تنسيق الجهود من أجل إنتاج وتسويق الديزل الحيوي ، وتقديم تقنيات جديدة لتخفيف الضغوط على أسعار النفط ، وأيضا دعم الاقتصاديات الزراعية وتقليل الإنبعاثات الغازية المؤدية إلى التغيرات المناخية .

إنتاج الديزل الحيوي

يتم إنتاج الديزل الحيوي ( بيو ديزل ) من كافة أنواع الزيوت النباتية ، كزيت فول الصويا والقطن واللفت والقنب والجاتروفا Jatropha ، وهذه الزيوت قد تكون طازجة ( غير مستخدمة ) أو قد تكون من مخلفات المطابخ والمصانع الغذائية كمصانع الشبس والبسكويت ومطاعم الوجبات السريعة وغيرها .

ويتم معالجة هذه الزيوت للحصول على الديزل الحيوي ، حيث يتم ترشيحها أولا للتخلص من الشوائب الموجودة فيها ، ثم يتم تسخينها إلى درجة 70 درجة سيلسيوس ، بعد ذلك يضاف إليها أحد الكحولات ، كالميثانول أو الايثانول ، بوجود عامل مساعد كهيدروكسيد الصوديوم أو هيدروكسيد البوتاسيوم .

إن التفاعل السابق يعرف كيميائيا بتفاعل الأسترة ، حيث ينتج استر الميثيل أو استر الايثيل وجليسرين ، كناتج ثانوي يتم استخدامه في الكثير من الصناعات الكيميائية المختلفة .

يتم تسخين المزيج السابق مع التحريك لمدة ساعة مع مراقبة درجة الحموضة PH بحيث تساوي 9 ، ويمكن التحكم في هذه الدرجة عن طريق إضافة العامل المساعد بحذر وانتباه ، ثم ينقل المزيج إلى خزان الفصل حيث تتشكل طبقتين ، الطبقة العليا هي الديزل الحيوي والطبقة السفلى الجليسرين ، يتم فصل الديزل الحيوي وتحسب كثافته بواسطة الهيدروميتر ، ويجب أن تكون ما بين 0.85 إلى 0.9 غم / سم3 .

مميزات الديزل الحيوي

يتمتع الديزل الحيوي بالكثير من الصفات والخصائص الكيميائية والفيزيائية التي تؤهله لأن يكون وقودا ممتازا للسيارات ولوسائط النقل المختلفة.

فنظرا لاحتوائه على عدد اقل من ذرات الكربون عند مقارنته بالديزل الاحفوري ، فإن ذلك يؤدي إلى أن تكون كمية المادة الملوثة المنطلقة عند احتراقه أقل ، أيضا فإن هذه الوقود يكاد يخلو من الكثير من الملوثات الكيميائية الموجودة في الوقود الاحفوري التقليدي ، كالرصاص والكبريت والمعادن الثقيلة.

إن الدراسات التي أجريت على هذا النوع من الوقود دلت على أن معامل الأمانSafety Factor له اكثر من معامل الأمان للديزل الاحفوري ، حيث يشتعل الديزل الحيوي على درجة 167 درجة سيلسيوس بينما الديزل الاحفوري يشتعل على درجة 70 درجة سيلسيوس ، وهذا يجعل عملية نقل وتداول وتخزين هذا الوقود آمنة إلى حد كبير.

أيضا فقد وجد أن لزوجة الديزل الحيوي أعلى من لزوجة الديزل الاحفوري وهذا يكسبه ميزة المحافظة على الأجزاء الداخلية للمحركات وعلى القطع المطاطية للمضخات وعلى المكابس والضواغط والنوابض وغيرها الكثير من القطع والأجزاء الهامة في المحركات.

من جانب آخر فقد تبين أن الديزل الحيوي يتحلل في الماء بنسبة تصل إلى 85% في أقل من شهر وهذا يؤهله لأن يكون أقل تلويثا للبيئة من المشتقات النفطية التقليدية والتي تبقى في البيئة دون تحلل لسنوات طويلة.

آفاق المستقبل

تشهد صناعة الديزل الحيوي الآن نموا عالميا متزايدا ، وذلك سعيا لمعالجة مشكلة التلوث عالميا ولتقليل الاعتماد شبه المطلق على الوقود الاحفوري في وسائط النقل المختلفة ، ولتحقيق ذلك ، وضع الاتحاد الأوروبي خططا طموحة لزيادة الاعتماد على هذا المصدر الجديد من الطاقة ، فتم الاتفاق على أن يبلغ ما يستخدم من الديزل الحيوي في وسائط النقل ما نسبته 5.75% بحلول عام 2010 على أن يتم زيادة هذه النسبة تدريجيا خلال السنوات القليلة القادمة ، أيضا فقد لجأت الكثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية إلى خلط ما نسبته 5 إلى 8 % من الديزل الحيوي مع الديزل الاحفوري . ومن اجل تشجيع الاعتماد على هذا النوع من الوقود ، تم إعفائه من كافة الرسوم والضرائب المفروضة على الوقود التقليدي .

أما في الولايات المتحدة الأمريكية ، فيوجد حاليا أكثر من عشرين شركة لإنتاج وتسويق الديزل الحيوي ، وقد أقر المجلس القومي الأمريكي للديزل الحيوي الكثير من الخطط لبناء المئات من محطات توزيع هذا النوع من الوقود إلى المستهلكين .

إن تلك الخطط الطموحة والأبحاث العلمية تفرض علينا جميعا ضرورة تشجيع مثل تلك الأفكار الخلاقة ، والتي تهدف إلى توفير مصادر نظيفة ومتجددة للطاقة من أجل المحافظة على بيئتنا وعلى كوكبنا ، أيضا يمكن القول أن العالم العربي يجب أن يتولى زمام المبادرة قريبا في هذا المجال وأن يتم توجيه بعض الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي الهام للغاية ، وخصوصا أنه تتوفر في منطقتنا العربية مقومات نجاح مثل هذه الصناعة.

ليست هناك تعليقات: