دكتور محمد الشافعي
الحزنُ المكتومُ ليس أنينًا يُسمع، ولا دمعًا يُرى، بل هو سكونٌ ثقيل يسكن الروح، يُنهكها دون أن يبوح، ويُفتتها بصمت يشبه الموت البطيء. هو شعورٌ مُرّ، لا يجد طريقه إلى الشفاه، لأن الكلمات إن نُطِقت، هدمت ما تبقى من تماسك، وانفجرت من حولك العوالم التي بالكاد تصمد.
ذلك الحزن الذي لا يُقال، هو امتحان النفوس المُنهكة، التي تعبت من التبرير، وارتوت من خذلان الرد، حتى آثرت الصمت. تراه يبتسم، يضحك، يشارك، لكنه غائبٌ عن ذاته، مقيمٌ في داخله كغريب لا يعرف كيف يطرق على قلبه باب الرجوع.
الحزن المكتومُ هو أن تختنق فيك العِتابات، وتذبل الأشواق على أعتاب الصدر، أن تحبّ دون أن تُفصح، وتشتاق دون أن تُظهر، فتُطفي في قلبك كل ومضة نور خوفًا من أن تُفضَح.
هو صراع داخلي لا جيوش فيه ولا رايات، لكنه يأكل النفس أكلاً. معارك تنشب في سكونك، وآهات تنمو في ظلالك، وأنت في كل لحظة تُهدم من الداخل دون أن يلحظك أحد. فتمضي بين الناس متماسكًا في الظاهر، متصدّعًا في الخفاء، تلبس قناع الرضى فيما الحزن يتمدد فيك كجذرٍ لا يُقتلع.
إنه الحزن حين يتحوّل إلى صمت، حين يصير الكتمان لغة، وتُصبح الطمأنينة المزعومة مجرّد ستارٍ هشٍّ على فوضى داخلية لا تنام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق