2025-06-17

حين تُطفأ الشمس في الروح

 


دكتور محمد الشافعي

لم تعد الشمس كما كانت، ساطعةً متوهجةً، تنثر ضياءها في الأرجاء، وتبعث الحياة في الأجساد والأرواح. باتت في نظري مجرد خطٍ فاصلٍ بين ليلٍ ونهار، بين النور والظلمة. لم تعد تضيء سوى العالم الخارجي، أما داخلي فغارقٌ في عتمةٍ لا قرار لها، لا أرى فيها سوى الظلال، ولا أتنفس إلا حزناً، ولا يرويني غير الألم. صرت كوميضٍ بلا نبض، ونورٍ بلا دفء. أما حرارتها ولمعانها، فلا تخبرني إلا بحقيقة واحدة: أنني ما زلت على قيد الحياة... أتنفس... وقلبي ينبض... ودمي يجري في عروقي. أما الحياة بمعناها العميق، فقد ووريت الثرى، وأصبحت أيامها تمر دون أن أشعر، أعيش على فتات الذكريات.

اصفرت صفحات عمري، وجفَّ مداد أيامي، وتراكم الغبار على أمنياتي، وودّعت أفراحي إلى مثواها الأخير. رحلت السعادة، وولى الأمل من دون رجعة، وتبخر الوعد، واندثرت اللحظات الصادقة. أما شمس الصفاء، فقد أفلت في غياهب الواقع القاسي، ولم يتبقَّ لي إلا شبح الذكرى... ذكرى كانت ذات يوم حياة.

تأمل ذاتك حين تعيش بنصف قلب، بنصف روح، بنصف حلم... عندما تشم نصف عبير الزهور، وتقطف نصف الثمار، وتعد نصف اللحظات، وتتنفس نصف الحياة. حينها، لا يبقى للحب موضع، ولا للأحلام مدى، وتذبل الورود على أغصانها، ويفر الإنسان من ذاته... لكن إلى أين؟ إلى العدم... إلى وحدةٍ لا نهاية لها... إلى غربةٍ لا حدود لها... إلى السراب والضياع.

حينها تتشابه كل الوجوه، تتشابه الأصوات، تتشابه الحروف والمعاني والطرقات. تصبح المساكن متطابقة، والضحكات مجوفة، والعيون خالية من الدفء. الكل يبدو سواء... بعدما أصبحت أنا خواء. أشعر بأن قلبي لم يعد قلبي، وروحي ليست روحي، وكلماتي لا تشبهني، والوجوه من حولي غريبة، والضحكات التي أسمعها باهتة، والحياة من حولي تدور في حلقةٍ من الرتابة.

وتزداد وطأة الحزن حين أضطر لفعل ما لا أحب، والتحدث بما لا يعبّر عني، ورؤية الأفضل يبتعد، والأمل يتلاشى. تغمرني الغرابة، ويتسلل اللاوعي إلى أيامي، ويخيم شبح الذكريات الجميلة على واقعي، فأدرك – متأخراً – أن ما تبقّى لي منها... هو مجرد ذكرى!

وفي لحظة مواجهةٍ مع مرارة الحقيقة، عندما يستفيق القلب على طيف من كانوا يوماً كل الحياة، ويهفو العقل إليهم، وتنبض الذكرى في الوجدان... تعرف حينها أنهم لن يعودوا، ولن يهتموا، ولن يسألوا، ولن يشتاقوا كما كنت تظن. فماذا يبقى؟ وماذا تفعل؟

دعهم يعيشون بسلامٍ في ذلك الركن البعيد من ذاكرتك، في أطياف قلبك، وفي صمت روحك. لا تحاول اجترار الماضي، فقد قُضي الأمر. ارضَ بقَدَرِك، ففي الرضا راحة، وفي التسليم سكينة، واسأل الله أن يمنحك صبراً ونسياناً كريماً، يمحو آثار الوجع، ويعيد لك بهاء الروح.

ليست هناك تعليقات: