2025-06-08

حين تختار ألا تخسر نفسك



 

دكتور محمد الشافعي 

في مرحلةٍ ما من عمر الإنسان، يكتشف أن الفوز في كل معركة ليس غاية، وأن الرد على كل كلمة جارحة ليس ضرورة، وأن إثبات الصواب في كل موقف ليس دائمًا انتصارًا حقيقيًا. تنضج القلوب عندما تدرك أن السلام الداخلي لا يتحقق بالغلبة، بل بالاختيارات التي لا تؤذي الروح. أحيانًا، يكون الحفاظ على الذات أسمى من كسب الجدل.

الشجاعة لا تعني دومًا المواجهة. في بعض الأحيان، تكمن في أن تسامح، أو تمضي في طريقك بصمت، أو ترتب خطواتك من جديد دون الحاجة إلى شرح أو تبرير. فليس كل من خالفك يستحق جهدك في الرد، وليس كل موقف يتطلب منك أن تثبت شيئًا.

هناك لحظات تُغلق فيها أبواب في وجوهنا، لكنها تفتح في داخلنا وعيًا لم نكن نملكه. وهناك أشخاص يدخلون حياتنا لا ليكونوا أصدقاء أو أحبة، بل ليعلمونا دروسًا لا تُنسى. بعض التجارب تأتي في ثوب الألم، لكنها في جوهرها رحمة ونجاة.

ليس كل صمت علامة ضعف، ولا كل نجاح يحمل في داخله القيمة، ولا كل حب صادق كما يبدو، ولا كل خلاف يستحق أن تلوث قلبك به. قليلون فقط هم من يستحقون شرف أن يقتربوا من عالمك، وأبلغ رد على من خذلك، أن تبقى إنسانًا نقيًا، لم تغيّره الجراح، ولم تُشوّه ملامحه التجارب.

الحياة لا تعني أن تنتصر دائمًا، بل أن تخرج منها وأنت لا تزال تشبه نفسك، دون أن تفقد طهرك، أو تتلون لتُرضي أحدًا.

رزقك لا يملكه أحد

 





دكتور محمد الشافعي 

لا أحد يرحل عن الدنيا قبل أن يأخذ كل ما كُتب له، فالرزق والعمر مقدران بدقة لا يسبق أحد فيهما لحظة ولا يتأخر. فلا داعي لكثرة القلق والهم، فما هو لك سيأتيك حتمًا، وما كُتب في نصيبك من رزق سيسعى إليك ولو اجتمع العالم كله على منعه عنك.

اطلب حاجتك بعزة نفس، ولا تذل روحك لأحد، فكل الأمور تسير وفق قدرٍ محسوب، ورزقك محدد لك منذ الأزل، قبل أن تُخلق الأرض ومن عليها. لا أحد يستطيع أن يمنع عنك ما كتبه الله لك، ولا أن يعطيك ما ليس لك، فالرزق ليس بيد الناس، بل بيد الله وحده.

الرزق جزء من القدر، فمن رزقك وأنت طفل لا تملك شيئًا، سيظل يرزقك حتى آخر يوم في عمرك، دون أن تكون لك فيه حيلة أو حول. الإنسان يولد لا يملك شيئًا، وربه هو الذي يمنّ عليه بالنعم ويوسع له من فضله.

اسعَ في الأرض، وابذل الأسباب، وكل من رزق الله الذي بسطه لك، واعلم أن في النهاية كل شيء يعود إليه.