2025-03-02

الصديق الزائف: قناع المودة وخنجر الندالة

 


بقلم دكتور محمد الشافعي 

في حياتنا، نصادف أشخاصًا يظهرون لنا الود ويقتحمون عالمنا بمظهر الصديق الوفي، لكن الزمن وحده كفيل بكشف معادن البشر وحقيقة نواياهم. كان لي في مسيرتي الجامعية زميلٌ بدأ رحلته معي منذ الفرقة الأولى بقسم الآثار، وتخرجنا معًا، ثم عُيّن كلٌّ منا معيدًا في القسم ذاته عام 1990. بحكم طبيعتي الاجتماعية، لم أكن أضع حواجز بيني وبين من أظهر لي المودة، فوجدت نفسي أستسلم لهذا الزميل الذي فرض نفسه كصديق مقرب، رغم أننا كنا على طرفي نقيض في كل شيء؛ فهو قادم من بيئة ريفية، وأنا ابن المدينة، بيننا اختلافات في العادات وأسلوب الحياة والتفكير، ومع ذلك مضينا معًا سنوات طويلة.

كان هذا الشخص مولعًا بمعرفة التفاصيل الدقيقة عن حياتي، يتدخل في كل شؤوني، يقتحم خصوصيتي بلا استئذان، بينما كان شديد التحفظ في الكشف عن أي جانب من حياته. وعلى الرغم من إظهار المحبة ظاهريًا، فقد كنت أكتشف تدريجيًا أنني لم أكن بالنسبة له أكثر من وسيلة لتحقيق مآربه، فكان يستخدم آرائي بين الزملاء، يرددها أمامهم وكأنها تصريحاته الخاصة، يُلقي باسمي في كل حديث ليضعني في مواجهة دائمة معهم، حتى توترت علاقتي بالعديد منهم بسبب ما ينقله عني من أقوال وتحليلات لم يكن لي بها شأن. ومع مرور الوقت، أخذ يكسب النفوذ ويصبح شخصية محورية في القسم والكلية، بينما كنت أتعجب من حجم الضرر الذي سببه لي دون أن أشعر، ولم أدرك حقيقة أفعاله إلا حين ابتعدت عنه وبدأت العلاقات تعود إلى صفائها الأول بعد أن تحررت من تأثيره الزايد.

لكن الوضوح التام لحقيقته لم يتجلَّ إلا حين جمعنا العمل خارج الوطن، حين سافرنا معًا إلى قسم السياحة والآثار في مصراتة بليبيا. هناك، لم يعد يخفي نواياه، بل أصبح التقليل مني والتشكيك في قدراتي ديدنه أمام الجميع، محاولًا إضعاف موقفي والتأثير على رؤسائي حتى لا يكون لي أي شأن يُذكر. إلا أن إرادة الله شاءت أن أكون في موضع التقدير رغمًا عنه، فاختيرت لرئاسة الجلسة الافتتاحية لمؤتمر بني وليد للآثار بعد أن استمع عميد الكلية هناك إلى حديث لي في لقاء إذاعي، فكان هذا التكليف مفاجئًا لمن كان يعمل جاهدًا لإقصائي. وحين علم بذلك، أخذ يلف ويدور، محاولًا أن يُثنيني عن قبول المهمة ليتم إسنادها إليه، وكأنه لم يكن يتقبل أن أكون في موضع يُعلي شأني أمام الجميع.

كان ضرره قد بلغ مني مبلغًا عظيمًا حتى قبل تلك المرحلة، فقد كان أحد الأسباب الرئيسية في مشاكلي مع زوجتي عام 1999، كما تسبب لي في مشكلات لا تُحصى، بينما كان هو المستفيد الأكبر من علاقتي به. ظل يستغلني لسنوات، حتى أنه امتلك نسخة من مفتاح شقتي، متوغّلًا في حياتي إلى درجة لم يكن ينبغي لي أن أسمح بها. ولكن عندما انتهت الأشهر الخمسة الأولى من العمل في ليبيا، أدركت أنني لم أعد أطيق التواجد معه مهما كان العائد المادي مغريًا، فاتخذت قراري بالرحيل والعودة إلى وطني، رغم إصرار الجامعة هناك على استمراري معهم. لم يكن المال كافيًا ليجعلني أتحمل وجوده في حياتي بعد الآن.

ومنذ ذلك الحين، قطعت علاقتي بهذا الصديق الزايد نهائيًا، ولم أسمح بأي محاولة منه لإعادة الصلة بيننا، رغم محاولاته المتكررة. فقد أدركت، ولو بعد زمن طويل، أن بعض الأشخاص لا يستحقون أن نشغلهم حيزًا في حياتنا، وأننا أحيانًا نحتاج إلى خسارة بعض العلاقات حتى نستعيد أنفسنا.



هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

لم يكن المال كافيا ليجعلني اتحمل وجوده في حياتي بعد الان
الجمله دي معاناها كبير اوي 💫