الأستاذ الدكتور عبد الرازق الكومي
دكتور محمد الشافعي
حين يرفع الرجل الأصلع رأسه، ينعكس الضوء على صلعته كأنها مرآة صقلها الزمن، لا تشوبها خيوط من الفوضى، ولا تلتف حولها خصلات قلقة تبحث عن ترتيب. إنها ساحة ناصعة، تروي حكاية تصالح نبيل مع الذات، وكأنها صفحة بيضاء خطّت عليها الأيام توقيعها الأخير، فأصبحت رمزًا للتحرر من عبث المشط والمرآة.
إنه يعرف جيدًا أن الصلعة ليست فقدانًا بقدر ما هي نقاء، ليست نقيصة بل حالة من الصفاء الذي لا يحتاج إلى تعديل أو تهذيب. في محيطه، يداعبه الأصدقاء بعبارات ماكرة عن الرياح التي لا تجد لها حاجزًا، عن أشعة الشمس التي تتخذ من رأسه ميناءً يعكسها إلى الأفق، لكنه لا يغضب، بل يكون هو أول الساخرين، يقود النكتة قبل أن تصيبه، ويسكب عليها من روحه ما يجعلها نكتةً عليه، ولكن لصالحه. فهو لا يرى في فقدان الشعر خسارة، بل يرى فيه اختصارًا للوقت والجهد، وتحررًا من طقوس العناية اليومية التي تستنزف غيره.
إنه رجل استوعب الحقيقة منذ زمن، فارتقى فوق التبريرات الواهية، ولم يعد يبحث عن طرق الالتفاف على ما منحه القدر. يدرك أنه لا يحتاج إلى ستار، ولا يخشى مواجهة نفسه أو الآخرين، فهو أول من يعترف بلمعان رأسه، وأول من يضحك على حسابه، وكأنه يمنحهم إذنًا ضمنيًا بالسخرية، لكنه يفعلها أولًا، وببراعة لا تترك لهم مجالًا إلا للضحك معه، لا عليه.
وحين يُسأل مداعبًا: "ألا تفتقد شعرك؟"، يبتسم ابتسامة العارف ويقول: "لقد تصالحت معه قبل أن يقرر الرحيل، وترك لي إرثًا لا يزول: وهج البساطة، وصفاء الرأس، وخفة لا تعرف القلق." فالأصلع ليس مجرد رجل بلا شعر، بل هو رجل بلا أوهام، بلا تردد أمام المرآة، بلا حاجة لإخفاء ما هو ظاهر أصلاً.
هو رجل لم يعد معنيًا بما فقد، بل بما اكتسب: خفة الظل، وعمق التصالح، وسحر النكتة التي تبدأ منه وتنتهي عنده. فبينما ينشغل الآخرون بشعورهم، هو يمضي خفيفًا، متألقًا، بلا أثقال على رأسه، لا حرفيًا ولا مجازيًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق