2025-03-07

حتمية التعامل وسُمّ العلاقات



دكتور محمد الشافعي 

في مسيرة الحياة، نجد أنفسنا محاطين بأناس من مختلف الثقافات والخلفيات، نلتقيهم في العمل، في الشارع، في الأسواق، وفي المؤسسات الرسمية. وبينما تختلف طبائعهم وأفكارهم، يظل القاسم المشترك أنهم جزء لا يتجزأ من نسيج حياتنا اليومية. فمنهم الطيب الذي يترك أثرًا جميلًا أينما حلّ، ومنهم الشرير الذي يتغذى على إيذاء غيره، ومنهم الذكي الذي يحسن التفاعل مع الواقع، ومنهم الغبي الذي يثقل كاهل من حوله بحماقته، ومنهم الحاقد الذي لا يرى في الآخرين سوى أعداء يجب النيل منهم، ومنهم الخير الذي يُشبه نسمةً رقيقةً في يوم قائظ. ومع ذلك، نحن مضطرون للتعامل مع جميع هؤلاء، سواء في دائرة العمل القريبة، أو في الاحتكاك اليومي العابر.

ومع مرور الزمن، أصبحت لديّ قدرة على قراءة الشخصيات منذ الوهلة الأولى، كأنني أرى خلف الأقنعة التي يتخفّى البعض وراءها. غير أن أكثر ما أمقته، وأحرص على تجنبه تمامًا، هو الكاذب والغبي. فالكذب يُفسد النقاء الإنساني، ويهدم جسور الثقة، ويجعل من صاحبه صورة مشوهة لا تستحق حتى الالتفات. أما الغباء، فهو وباء يستهلك الطاقات، ويفسد الحوار، ويجعل التواصل ضربًا من العذاب. لذا، كان لزامًا عليّ أن أقاطع كلا الصنفين، حفاظًا على سلامة روحي وهدوء فكري.

وفي نطاق العمل، تتجلى أعجب المشاهد، حيث يتصدر المنافقون والمُتسلقون المشهد. هنا، تجد من يتفنن في التملق والوصولية، ومن يقتات على نقل الأخبار والأسرار لسيده المسؤول، ومن حظي بمناصب رفيعة لا بفضل علمه أو كفاءته، بل بفضل مالٍ سَخَّره لاستئجار العقول، أو نفوذٍ فتح له أبوابًا لم يكن جديرًا بطرقها، أو وسائل أخرى يُغني الحياء عن ذكرها. وما يدعو للأسى أن من بينهم من حاز درجات علمية، لا لأنه امتلك نبوغًا، بل لأنه عرف كيف يشتري من يُنجزها له، أو كيف يُسخّر العلاقات والمصالح لتحقيق مآربه. وهكذا، تضيع قيمة الجدارة، ويتلاشى معنى الاستحقاق، ليبقى الواقع مريرًا لا عزاء فيه لمن وهبوا حياتهم للعلم والإخلاص.

إن التعامل مع هذه الأصناف، وإن كان لا مفر منه، يظل اختبارًا صعبًا للثبات على القيم، والتمسك بالمبادئ، وعدم الانزلاق إلى مستنقع التلون والتزلف. وما بين قبح الكذب وثقل الغباء، وما بين فجور النفاق وبؤس الوصولية، لا يسع العاقل إلا أن يختار العزلة حينًا، والانتقاء الدقيق حينًا آخر، حتى لا يجد نفسه يومًا جزءًا من هذا العبث المُقيت.


ليست هناك تعليقات: