دكتور محمد الشافعي
هذا المقال يجسد الخلل في موازين المجتمع، حيث تُمنح الثروة والاهتمام لمن يرفّهون، بينما يُهمل من يبني العقول.
في زمننا هذا، تتراقص المعايير على إيقاع المصالح، فتختل الموازين، ويُرفع من لا يستحق، ويُهمّش من يحمل على عاتقه أعباء البناء والتقدم. ترى لاعبًا يركل الكرة، أو ممثلًا يكرر مشهدًا محفوظًا، فيغرق في بحار الثراء، بينما العقول التي تُنير الدروب، والأساتذة الذين يصوغون فكر الأجيال، والمعلمون الذين يبذرون بذور المعرفة، لا يكادون يجدون ما يحفظ لهم حياة كريمة.
ليس العيب في الفن أو الرياضة، ولكن في أن يكونا على قمة هرم المكافآت، بينما يتذيل العلماء والمربون القائمة، رغم أن نهضة الأمم لا تُبنى بصرخات الجماهير في الملاعب، ولا بأضواء الكاميرات في الاستوديوهات، بل بعقول المفكرين وسواعد العاملين. كيف يستقيم أن يشكو لاعب من قلة مليون أو مليونين في عقده، بينما يعيش أستاذ جامعي بالكاد، رغم أنه يحرس كنوز المعرفة ويرفع راية العلم؟ أي ميزان هذا الذي يُثقل بالهوامش، ويُخفف من قيمة الجوهر؟
إنه مشهد غريب، لكنه ليس وليد اليوم، بل نتاج عصور تراكمت فيها ثقافة الانبهار بالقشور، حتى صار البريق الخادع أكثر جذبًا من النور الحقيقي. تُهدر الأموال على من يُرفّهون عن العقول، بينما يُهان من يغذيها وينميها. أليس هذا قلبًا للحقائق؟ أليس هذا ظلمًا للجهد، وسخرية من العرق والكدح؟
إن الأمم التي تقدّر علماءها، وتضع المعلمين في صدارة التكريم، هي الأمم التي تصنع المجد الحقيقي، أما التي تُهدر ثرواتها على التوافه، فمصيرها أن تغرق في دوامة من الاستهلاك الأجوف، حيث يبقى الجوهر منسيًا، وتُصنع الأصنام من ورق.
هناك تعليق واحد:
الواقع المرير
إرسال تعليق