دكتور محمد الشافعي
المحنة التي تحوّلت إلى منحة
قد يظنّ المرء أن البلاء عثرة في درب العمر، أو انقطاع في نسق الحياة، غير أنّ في جوف المحن خيراتٍ لا تُدركها الأبصار للوهلة الأولى. فما حسبتهُ قيدًا وسكونًا، غدا بابًا واسعًا للخير والبركة، ومنحة ربّانية تتنزّل بالرحمة والرضا.
جلوسي في رفقة الجبس، وتكبّلي بانعدام الحركة، كان يبدو في البدء عجزًا وسلبًا، فإذا بي أجد فيه معنى آخر أعمق؛ إذ فتحت هذه المحنة لي نوافذ من المحبة الصادقة، وأبوابًا من الدعاء المخلص. فما إن نشرت الخبر حتى غمرني سيل من المودّة، وتعاقبت الاتصالات عليّ حتى لم يهدأ هاتفي، يحمل إليّ كلمات الشفاء وعبارات المواساة من قريب وبعيد، ومن أناس أعرفهم وأناس لم أتشرف بلقائهم من قبل.
ثم جاءت الزيارات لتزيد القلب أنسًا والروح صفاءً؛ أقارب وأصدقاء وأحباب شدّوا الرحال من أماكن بعيدة، من دمياط الجديدة وزهراء مدينة نصر، ومن مدينة ٦ أكتوبر، يحملون معي مشعل الودّ ودفء القلوب. وكيف أنسى جيراني الذين يطرقون الباب كل يوم، يسألون عني ويجعلون من السؤال عبادة ومن المواساة قُربة؟! فامتلأ البيت نورًا، وغمرتني سعادة لا توصف، حتى غدا الجرح زهرةً، والألم رحمةً، والسكون حياةً أخرى أكثر إشراقًا.
ولعلّ أعظم ما كشفته هذه التجربة أنّها ميّزت لي الخبيء من الظاهر، وأظهرت لي معادن الرجال؛ من هو الصديق الحق الذي تثبت مودّته عند الشدائد، ومن كان مجرّد عابر في درب الأيام، ولو طالت الصحبة بيننا خمسةً وثلاثين عامًا. هكذا المواقف، كالمرايا الصافية، لا تجامل ولا تخادع؛ إنّما تكشف وتُعرّي، فيرى المرء حقيقة ما حوله.
فالحمد لله الذي جعل من البلاء مدرسة، ومن الألم منارة، ومن المحنة منحة. له الفضل أولًا وآخرًا، وهو وحده المستعان على كل حال.
هناك تعليقان (2):
أبي العزيز
شفاك الله وعفاك وجعل ألمك في ميزان حساناتك
بارك الله فيكي ابنتي العزيزة
إرسال تعليق