2025-08-11

نظام الترقية الجامعية

 

دكتور محمد الشافعي 

هي من أكثر المهن التي يُفترض أن تكون منارة للعدل، لكن الواقع يخبرنا بغير ذلك. مهنة عضو هيئة التدريس، التي كان يُنتظر منها أن تكون أعدل المهن، باتت اليوم من أكثر المهن افتقارًا للعدالة، لا لخللٍ في القيم، بل لانحرافٍ في آليات التقييم والتقدير.

الترقي في هذه المهنة لا يتم وفق سنين الخدمة وحدها، ولا يُقاس بإخلاص الأستاذ في قاعة الدرس أو تميزه في التأثير على طلابه، بل يُختزل في أوراق وأبحاث وشروط متراكمة تتطلب جهدًا شاقًا على مدار سنوات. وحتى بعد أن يُنجز الباحث ما طُلب منه، يقف في مواجهة لجنة علمية، قد لا تكون مؤهلة لتقييم تخصصه، وقد تكون بعيدة كل البعد عن عمق ما كتبه، بل وقد تتدخل في تقييمها اعتبارات لا تمت إلى العلم بصلة؛ كالعلاقات الشخصية، أو المجاملات، أو حتى الرشاوى والهدايا والوساطة.

وهكذا، يُظلم الأكفأ، ويُقدَّم عليه من هو دونه علمًا وخبرةً فقط لأنه أحسن الدخول من الأبواب الخلفية. وقد يُمنح اللقب العلمي لمن لم يبلغ بعد النضج المعرفي، ويُترك من أفنى عمره بين الكتب والمخطوطات ينتظر عطف اللجنة أو مصادفة الإنصاف.

ويزداد الظلم حين نقارن هذه المهنة بسائر الوظائف في الدولة، حيث تعتمد الترقية هناك على السنوات التي يمضيها الموظف في خدمته، دون الدخول في دهاليز النشر الأكاديمي أو تعقيدات التقييم. فلماذا هذا الاستثناء؟ ولماذا يُفرض على عضو هيئة التدريس أن يُمضي عمره في سباق مرهق، وأن يظل دائم القلق على لقبه ومكانته، في حين تُمنح الترقيات في أماكن أخرى بيسر واستحقاق زمني طبيعي؟

إن هذه المفارقة تُشعر عضو هيئة التدريس أنه مكبل بمعايير لا تُطبق على سواه، وأنه مطالب بالركض الدائم كي لا يُنسى، لا لأن في الركض فائدة، بل لأن التوقف يُعد تقصيرًا، ولو كان التوقف لأجل التعليم والتربية والتأثير الحقيقي في عقول الطلبة.

إنه حساب طويل ومتشعب، يظل في نهايته يصب في مجرى واحد: غياب العدالة.

والأدهى من ذلك أن صمت أصحاب المهنة، إما خوفًا أو يأسًا، زاد من اتساع رقعة الظلم، حتى أصبح الصوت النقي غريبًا في أروقة العلم، وأصبح الإنصاف مطلبًا بعيد المنال.

ويبقى السؤال مُعلقًا: متى تعود للمهنة كرامتها، ويُرد لكل أستاذ حقه دون وساطة أو محاباة أو عبور من نوافذ لا تليق بأهل العلم؟

ليست هناك تعليقات: