2025-08-08

بين الوضوح وقلة الذوق

 


دكتور محمد الشافعي 

كثيرون يرفعون راية الصراحة وكأنها وسام شرف يمنحهم حق التجاوز على مشاعر الآخرين، وكأنهم يمتلكون تفويضًا مفتوحًا للحديث دون مراعاة أو حساب. يُقاطع الحديث، يستهزئ في المزاح، يجرح ثم يبتسم قائلاً: "أنا صريح"، وكأن هذه الجملة تكفي لتبرير الأذى وغض الطرف عن الوقاحة. لكن الصراحة بريئة من هذا كله، لأن الصراحة لا تعني قلة الذوق، ولا تمتّ إلى الفظاظة بصلة.

الوضوح لا يتعارض مع الأدب، والصراحة لا تلغي اللُطف. فالصادق الحقيقي لا يختبئ خلف كلمات براقة ليُخفي بها نواياه المؤذية، بل يكون واضحًا بنقاء، مباشرًا برحمة، صريحًا بلُطف. أما من يتلذّذ بجرح الآخرين، ويتعمد إحراجهم باسم "الصراحة"، فهو لا يُحسن الفهم، ولا يُحسن النية، ولا يُحسن نفسه.

الذين يختبئون خلف أقنعة "الوضوح" ليمرروا قسوتهم، بحاجة إلى وقفة، لا تبرير. بحاجة إلى مراجعة ذواتهم، لا الاستمرار في تجميل الخطأ بكلمات تُستخدم زورًا. فليس كل جارح صريح، وليس كل صريح مؤذٍ. وهناك فارق كبير بين كلمة تُقال لتبني، وأخرى تُقال لتهدم.

الصدق لا يحتاج صخبًا، والحقائق يمكن أن تُقال برقة دون أن تفقد قوتها. وإن كانت الكلمة مؤلمة، فأسلوب طرحها يصنع فرقًا هائلًا بين من يريد الإصلاح، ومن يريد الإيلام. فالأول يبني جسورًا، والثاني يهدمها بضحكة باردة وقلب غليظ.

فلنتأمل قليلًا: هل نحن حقًا صادقون؟ أم نُخفي سوء أدبنا في ثوبٍ يُقال إنه "صراحة"؟

ليست هناك تعليقات: