دكتور محمد الشافعي
قد لا يحتاج الإنسان إلى طعنةٍ في الظهر ليُدرك مكانته الحقيقية في حياة أحدهم، أحيانًا تكفي "تفصيلة بسيطة جدًا" — نظرةٌ مترددة، تجاهلٌ غير مقصود، موقف عابر، أو حتى كلمة سقطت سهواً — لتقول كل ما لم يُقال، وتكشف ما خفي وراء جدار المظاهر.
إنّ القلوب لا تُوزن بالكلمات الكبيرة، بل تُوزن بالتفاصيل الصغيرة التي لا يراها سواك. كيف يذكرك في غيابك؟ كيف يحكي عنك للآخرين؟ هل تمر في حديثه كخلفية باهتة، أم كنغمة لا تكتمل الجملة بدونها؟ هل ينتبه لحزنك دون أن تتكلم، أم تحتاج أن تصرخ ليشعر بك؟!
الأهم في العلاقات ليس عدد اللقاءات، ولا كثرة الرسائل، بل موضعك الحقيقي في قلبه حين لا تكون حاضرًا. وهل تُرى حين تغيب؟ هل تُفتقد حين تصمت؟ أم أن غيابك كوجودك، بلا ظل ولا صوت؟
تفصيلة بسيطة جدًا، كأن تخبره أنك متعب ولا يُبالي، أو تمر عليه بأجمل ما فيك ولا يلحظ، أو تنتظره طويلًا فلا يأتي، هذه الأمور التي نغضّ الطرف عنها كثيرًا تحت شعار "نلتمس الأعذار"، هي نفسها المرايا التي تعكس لنا بصدق: هل نحن مهمون؟ أم أننا مجرد ظلال تُرى عند الحاجة وتُنسى عند الفرح؟
إن الذي يحبك حقًا، يرى فيك وطنًا، يطمئن بك، ويخاف عليك، ولا يحتاج إلى مبرر ليكون بجانبك. أما من لا تعبّر عنه سوى التفاصيل الباردة، فلا حاجة لك بأن تبحث عن مكانك عنده، لأن الجواب قد كُتب بالفعل.. في تفصيلة صغيرة، مؤلمة، لكنها كاشفة.
الاهتمام لا يُطلب، والحب لا يُستجدى، والكرامة لا تُؤجل. وإن وجدت نفسك تسأل كثيرًا عن قيمتك، فربما الجواب قد وصلك، لكنك فقط تُحاول ألّا تراه.
نعم، مجرد تفصيلة بسيطة جدًا، قد لا تُنسى.. وتكفي لتعيد ترتيب كل شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق