2011-05-22

رسالة إلى الحضارات الكونية


م। فايز فوق العادة

حملت كل من المركبتين الفضائيتين بايونير10 وبايونير11 نسخة من رسالة موجهة إلى الحضارات الكونية. قبل أن نبحث أمر هذه الرسالة سنتحدث عن الهدف الرئيسي الذي أطلقت من أجله كل المركبات الفضائية التي دعيت بنفس الاسم: بايونير.
صممت هذه المركبات بهدف دراسة الفضاء الذي تسبح فيه المجموعة الشمسية، كان الغرض من المركبتين بايونير1 وبايونير2 سبر القمر والزهرة واختبار مجموعة من الأدوات لاستخدامها في مركبات تالية، عُقمت المركبتان المذكورتان تحاشياً لاحتمال اصطدام غير مخطط بالقمر وتلويثه بالبيولوجيا الأرضية.
توقفت بايونير1 عن البث بسبب توقف بطاريتها بعد أن أخطأت منظومة التوجيه الخاصة بها بدفعها نحو القمر، يُعزى تعطل البطارية إلى انخفاض درجة الحرارة الناجم عن عدم تحقق التقابل المطلوب مع دفق الحرارة الشمسية، حققت المركبة إنجازاً هاماً بإرسالها معلومات عبر حزام فان آلن الإشعاعي وإلى حوالي 600000 كيلو متراً عن الأرض، صممت كافة مركبات بايونير على أساس لف ذاتي يوفر استقراراً في حركة وتوجه كل منها.
سجلت المركبة بايونير 5 تقدماً ملحوظاً بإرسالها لأول مرة معلومات عن الفضاء البعيد للمجموعة الشمسية خاصة عن فعل الجسيمات والمجالات في ذلك الفضاء، طُورت المركبات بايونير بدءاً من العام 1962 عندما لحظ معيار جديد تتوجه المركبة بايونير ذات اللف الذاتي بموجبه بعد أن تدلف إلى المدار الخاص بها بين الكواكب. هناك الآن أربع مركبات من هذا النوع تسبح في مداراتها حول الشمس، تم توزيع الخلايا الشمسية في كل مركبة على سطح أسطواني في محيطها الخارجي، كان محور اللف الذاتي في المركبات بايونير المتأخرة عمودياً على مستوي مدار الأرض حول الشمس. صممت المركبات كي يتحقق التعامد المذكور بعد إطلاق كل مركبة بعدة ساعات أو عدة أيام وبفعل دفع نفاث من غازات مضغوطة باردة محملة على متن المركبة يفرض مزدوجة دوران متغيرة على المركبة، تناور المركبة لعدة ساعات بعد بدء النفث الغازي ثم يستقر محور دورانها حول نفسها بعد ذلك في وضعه العمودي، ثُبت اتجاه الدفق الحراري المنبعث عن كل مركبة بحيث يكون عمودياً على الشمس في كل الحالات، يمتلك مثل هذا التصميم مزايا فيزيائية خاصة.
خطط للمركبات بايونير المتأخرة أن تبحر بعيداً عن الشمس. بكلمات أخرى لم تعتمد المركبات المذكورة بشكل كامل على الطاقة الشمسية مثل مركبات بايونير الأولى، لذا حُملت كل مركبة منها مولداً كهربائياً يعمل بالنظائر المشعة، وفق هذا التصميم يتحلل البلوتونيوم 238 فيدفع شبكة من الوصلات الكهربائية الحرارية المكونة من عناصر موجبة من الأنتيمون وعناصر سالبة من خليط تليوريوم والفضة والجرمانيوم . يساوي نصف العمر للبلوتونيوم 238 حوالي 50 سنة.
تفي هذه المدة بمتطلبات الأغراض العملية كي تبحر المركبة بايونير عبر فضاء المجموعة الشمسية.
أجريت دراسات خاصة لكيفية تحميل المركبة بهذا النوع من الوقود وكيفية تخلص المركبة من نواتج تحلل البلوتونيوم 238 بما يضمن أن تلقي المركبة بالنواتج بعيداً عن أي جسم فضائي.
شمل برنامج عمل المركبة بايونير 10 إجراء تجربة بينما أضيفت تجربة إلى برنامج عمل المركبة بايونير 11 تضمن الحيز المعد لإجراء التجارب الجانب الخلفي للهوائي حيث وضعت الحساسات الخاصة بالجسيمات الفضائية والتي اعتمدت في عملها استشعار الضغط، حملت المركبة معها مقياس استقطاب خاصاً استخدم مزيجاً من اللف الذاتي ونودان التلسكوب المثبت على المركبة.
قامت الحواسيب بإظهار اللقطات التي حققتها المركبة لكوكب المشتري والتي أجريت أثناء عملية مسح أنجزتها المركبة عند لفها حول ذاتها، كانت الصور المحصلة الأجود فيما عرفه علم الفلك، كان لابد للمركبة بايونير من هذا النوع أن تعمل في محيط إشعاعي يتولد بفعل المولد المحمول على متنها وجراء مرورها في أحزمة الأشعة لكوكب المشتري.
نستعرض فيما يلي أهم الإنجازات التي حققتها بعض المركبات الفضائية من مجموعة بايونير.
قامت المركبة بايونير 12 بوضع تلسكوب راداري في مدار حول كوكب الزهرة، قام التلسكوب بمسح الكوكب من أحد قطبيه إلى القطب الآخر، إن طريقة المسح بسيطة من حيث المبدأ، يطلق التلسكوب نبضة رادارية نحو الكوكب ثم يقيس الزمن اللازم لارتدادها، يكون هذا الزمن أقصر إن ارتدت النبضة عن قمة جبل وأطول إن ارتدت النبضة عن قاع أحد الوديان، تبين بتحليل هذه النبضات أن الحمم البركانية هي التي شكلت سطح كوكب الزهرة وأن الرياح أسهمت بهذا التشكيل لكن بدرجة أقل، أسقطت المركبة بايونير 12 أجهزة خاصة في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة، اكتشفت هذه الأجهزة أن كوكب الزهرة قد مات بيئياً بسبب الاحتباس الحراري الذي نجم عن تراكم غاز الفحم في الغلاف الجوي للكوكب، ما حدث في تاريخ كوكب الزهرة هو تحلل الماء إلى أوكسجين وهيدروجين بفعل الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس، تسرّب الهيدروجين إلى الفضاء الكوني بينما اتحد الأوكسجين مع فحم الكوكب مكوناً غاز الفحم بطبقات سميكة في غلافه الجوي ومؤدياً إلى ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة بالقرب من سطحه إلى أن بلغت خمسمئة درجة مئوية.
لقد انقلب كوكب الزهرة إلى جحيم حقيقي. أطلقت المدنية المعاصرة على كوكب الأرض كميات كبيرة من غاز الفحم في غلافه الجوي، نجم عن ذلك احتباس حراري مماثل ارتفعت بسببه درجات الحرارة بالقرب من سطح الأرض وستثابر على الارتفاع التدريجي مع مرور الوقت، أفادنا علم الفلك بدرس واقعي عن ظاهرة الاحتباس الحراري بسبر مثال " فعلي هو كوكب الزهرة ".
انطلقت المركبة بايونير 10 في 2 آذار من العام 1972 ومرت على تخوم المشتري يوم 3 كانون الأول من العام 1973، تصل المركبة جوار النجم بروكسيما سنتوري وهو نجم من ثلاثة نجوم هي الأقرب للشمس على بعد حوالي أربع سنوات ضوئية بعد 105000 من السنوات، تبلغ نجم الدبران على بعد 65 سنة ضوئية بعد مليوني سنة حيث تحلق بالقرب منه. أما السنة الضوئية فهي وحدة لقياس المسافات الكونية تساوي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة زمنية كاملة مرتحلاً بسرعته المعهودة ثلاثمئة ألف كيلو متراً في الثانية.
تكافئ السنة الضوئية حوالي عشرة مليون مليون من الكيلومترات، غادرت المركبة بايونير11 كوكب الأرض يوم 5 نيسان من العام 1973، اقتربت المركبة من كوكب المشتري يوم 2 كانون الأول من العام 1974 وكانت أول مركبة تحلق بالقرب من كوكب زحل اليوم الأول من أيلول من العام 1979.
انقطع الاتصال بالمركبة يوم الثلاثين من تشرين الثاني من العام 1995 بسبب تعطل مولدها الكهربائي. تمر المركبة على تخوم أحد النجوم بعد أربعة ملايين من السنوات، حملت كل من المركبتين بايونير 10 وبايونير 11 نسخة من رسالة إلى الحضارات الكونية ثُبتت على سطح كل من المركبتين، الرسالة عبارة عن قطعة مستطيلة من الذهب طولها 23 سنتمتراً وعرضها 15 سنتمتراً، نُقشت على القطعة مجموعة من الأشكال والرموز، أشير في أعلى ويسار القطعة إلى التغيرات والقفزات الطارئة للف الذاتي لكل من الإلكترون والبروتون في ذرة الهيدروجين والتي تترافق بانطلاق موجات راديوية بتواتر 1420 ميغا هرتز وطول موجة 21 سنتمتراً، نظراً لأن الهيدروجين هو أكثر العناصر انتشاراً في الكون فلن تجد الحضارة الكونية صعوبة في فهم ما ذهب إليه العلماء الأرضيون في هذا السياق، نُقش على الهامش الأيمن للقطعة العدد 8 لكن وفق رموز نظام العد الثنائي (---1) والذي يمثل ارتفاع المركبة. يتبين شكل المركبة خلف الرسم الخاص بالرجل والمرأة على القطعة الذهبية. يعتقد العلماء أن الحضارة الكونية التي ستلتقط الرسالة لن تجد صعوبة في اكتشاف مضمونها، ذلك أن الحضارة المذكورة ستلتقي المركبة وسرعان ما ستقوم بتحديد المسافة المشار إليها وتساوي جداء العدد 8 بطول الموجة 21 سنتمتراً، يكافئ هذا الجداء الطول الوسطي للإنسان الذي أرسل المركبة.
إن تساءلت الحضارة الكونية عن مرسلي المركبة، تجد الإجابة في الرسم الخاص بالرجل والمرأة، افترض العلماء الأرضيون أن الحضارة الكونية التي ستلتقط الرسالة قد تقدمت إلى الحد الذي يسمح لها بفهم ضرورة وجود جنسين في أي صنف من الكائنات الحية بغية التكاثر والاستمرار وبما يؤدي إلى الإقلال من الأخطاء المورثية والبنيوية في الأجيال التالية، لو رُسم الرجل والمرأة بالألبسة المألوفة، إذن لذهبت الحضارة الكونية إلى الاعتقاد بأن الألبسة في الرسم هي جزء من البنيوية البيولوجية للمرسلين.
نلاحظ في الرسم أن الرجل يرفع يده دلالة على التحبب والود، يفرض العلماء الأرضيون أن ارتقاء الحضارة الكونية وتقدمها لاشك يقترن بتقلص نزعاتها العدوانية وانعدام تلك النزعات فيما بعد.
من هنا كانت التحية التي يوجهها الرجل في الرسم إلى الحضارة الكونية برفع اليد.
لكن لماذا لا تتصل بنا الحضارات الكونية؟
قد تكمن الإجابة في حقيقة أن الجنس البشري لا زال في مرحلة المراهقة التكنولوجية وقد يدمر نفسه بسبب ذلك.
أما في أسفل القطعة فهناك دائرة كبيرة وتسع دوائر صغيرة وسهم عند الدائرة الثالثة يعني ذلك ببساطة أن المركبة انطلقت من الكوكب الثالث في جوار نجم هو الشمس، تمثل الدوائر التسع الكواكب التي تدور حول الشمس، كان بلوتو إبان إطلاق المركبة لازال معتبراً في عداد الكواكب لقد تغير تصنيف بلوتو فغدا شبه كوكب بعد ذلك.
يظهر في الواجهة الرئيسية للقطعة الذهبية مخطط نجمي من أعداد مكتوبة في نظام العد الثنائي، إذا استخدمت الحضارة الكونية المستقبلية للرسالة وحدة الطول للموجة 21 سنتمتراً أو الوحدة الزمنية الخاصة بها فيمكنها أن تفسر المخطط النجمي باعتباره يمثل الأدوار الزمنية لبعض النجوم النابضة أو المسافات التي تفصلها عن الشمس، يساوي عدد هذه النجوم وفق المخطط النجمي 14 نجماً، أما الأدوار الزمنية والمسافات المشار إليها فهي التي ثبتها الراصدون الأرضيون عند إطلاق المركبة.
يطلق النجم النابض دفقات بالغة الانتظام من الموجات الراديوية تتجاوز في دقة أدوارها الزمنية أي جهاز مصنوع.
هل من الضروري أن تكون آليات الاستشعار والإدراك لدى أفراد الحضارة الكونية المستقبلة للرسالة مشابهة لآليات الاستشعار والإدراك لدى بني البشر؟ ماذا لو كانت تلك الحضارة حشرات، تطورت وارتقت! إذ ذاك تتجاوز الرسالة دون أن تلاحظها وقد تبدو المركبة بالنسبة إليها مبهمة وغير مفهومة.
أو ليس من المحتمل أن رسائل من حضارات كونية تتخللنا الآن وهنا لكن أدواتنا ومنظومات استشعارنا وإدراكنا تفشل في اكتشافها!
تصلح الرسالة على متن المركبة بايونير أكثر من مئتي مليون سنة.

المراجع:
1- sagan, carl: the cosmic connection anchor press 1973.
2- Burnham, Robert: Burnham' s celestial handbook, dover 1987.
3- Dickinson, terence: extra terrestrials, Camden house 1994.
4- sagan, carl: pale blue dot, random house 1994.
5- Harrison, albert: after contact, plenum trade 1997.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : الباحثون العدد 38 آب 2010


ليست هناك تعليقات: