2009-12-29

مساجد الصين



تعتبر الصين من أوائل البلدان التي دخل اليها الإسلام. وبعد ان مضى على انتشاره فيها أكثر من 1300 سنة، اصبح عقيدة مشتركة لدى عشر أقليات قومية هي: هوي والويغور والقازاق والقرغيز والتتار والأزبيك والطاجيك ودونغشيانغ وسالار وباوآن. ويبلغ عدد أبناء هذه القوميات المسلمة 18 مليون نسمة. ومعظمهم يتوزعون في نينغشيا وشينجيانغ وقانشو وتشينغهاي بكثافة، بينما البقية الباقية منهم ينتشرون في مدن وقرى سائر المقاطعات والبلديات والمناطق الذاتية الحكم بما فيها مقاطعة تايوان وهونغ كونغ وماكاو.



وفي بحر أكثر من ألف سنة بنى المسلمون الصينيون من مختلف القوميات كثيرا من المساجد الكبيرة والصغيرة. وتفيدنا الإحصاءات غير الكاملة ان عدد المساجد في الصين يبلغ الآن أكثر من 30 ألف مسجد، علما بأن بعضها ذو تاريخ عريق، وبعضها رائع الهندسة، وبعضها متألق بضياء التبادلات الثقافية بين الصين وبلاد العرب. وهذه المساجد ليست مجرد مراكز دينية للجموع الغفيرة من المسلمين، بل هي كذلك من فرائد الآثار التاريخية في الصين.



قيل إن أول مسجد ظهر إلى حيز الوجود في الصين كان في عهد أسرة تانغ (618-907م)، وهو مسجد هوايشينغ (الحنين إلى النبي) بمدينة قوانغتشو. والطريق ان هناك رواية تقول بأنه شيد على يد السيد الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي جاء إلى الصين لنشر الإسلام. ولكن المقطوع به أنه يصعب جدا تحديدتاريخ بنائه ومعرفة بانيه لعدم توفر الأدلة الدامغة على صحة هذه الرواية.



كان الصينيون في أواخر عهد أسرة تانغ (618-907م) وأوائل أسرة سونغ (960-1279م) يسمون المسجد "لي تانغ" (قاعة الاجتماع)، ثم أطلقوا عليه اسم "لي باي تانغ" (قاعة الصلاة) أو "سي تانغ" (المعبد). وفي أواسط القرن الثالث عشر أخذ المسلمون الصينيون في تسمية المسجد "تشينغ تشن سي" (متعبد الصفاء والحق). وقد صارت هذه التسمية شائعة الاستعمال بعد مضي قرنين من ظهورها .. يشار بكلمة "تشينغ" (الصفاء) إلى أن الله تعالي صاف لا تشوبه شائبة أبدا، وأنه غير مستقر في مكان محدد، وأنه الأول والآخر. بينما يشار بكلمة "تشن" (الحق) إلى أن "الله أحد، الله صمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا احد"،أما كلمة "سي" (المعبد) فهي كلمة مستعارة من البوذيين الصينيين. وهذه التسمية تختلف طبعا عن كلمة "المسجد" إلى حد بعيد.



ان المسجد هو معبد مفضل للعابدين بمعناه الضيق، ومركز لنشاطات المسلمين الدينة بمعناه الواسع. ذلك أنه مكان للدعوة الإسلامية وموقع لائق للسائلين والمتعلمين، إلى جانب كونه مكانا للصلاة. ولكن لمساجد الصين مهام أخرى. فهي لا تفتح أبوابها لمجرد استقبال المصلين والمستمعين إلى المواعظ الحسنة، بل تشرف أيضا على عقود الزواج ومراسم الجنائز والإصلاح بين المتخاصمين ومساعدة المحتاجين وتنظيم الألعاب الرياضية وسط المسلمين .. الخ. وقد رأى بعض المؤرخين ان تعدد مهام المساجد في الصين يعود إلى زمن قديم، بدليل أن مسجد هوايشينغ في مدينة قوانغتشو كان مركزا لنشاطات المسلمين الدينية ومجالا لنشاطاتهم التجارية في آن واحد. وإن مسجد تشينغجينغ في مدينة تشيوانتشو ¨C مدينة الزيتون ¨C (وهو مسجد قديم آخر في الصين) لم يكتف "بشراء الأراضي والمباني لمنفعة عامة المسلمين" بل أسس مقبرة عامة للجاليات الإسلامية في الأيام الأولى من بنائه. ويشير ذلك ان نشاطات هذين المسجدين القديمين لم تكن قط مقصورة على الأمور الدينة. وحيث أن مساجد الصين متعددة المهام، فإن علاقة المسلمين المحليين بها أوثق من المعتاد. حتى ليقال "إن مثل المسلمين الذين فقدوا المساجد كمثل الأسماك التي فارقت المياه



الأشكال المعمارية لمساجد الصين



في فجر الإسلام كانت مباني المساجد بسيطة إلى أبعد الحدود نتيجة لسوء الظروف المادية آنذاك. وقد ازداد المسلمون اهتماما بتحسين بناء المساجد مع انتشار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فظهر إلى حيز الوجود عدد من الجوامع ذات الشهرة العالمية، مثل الجامع الأموي في دمشق، وجامع القرويين بفاس، وجامع غرناطة بأسبانيا، والجامع السليماني باسطنبول .. الخ. وفي مجرى بناء المساجد اهتدى المعماريون المسلمون إلى أسلوب معماري إسلامي مهيب جميل بعد أن استلهموا بعض مزايا المباني الورمية والفارسية. ولقد ترك هذا الأسلوب المعماري تأثيراته في مسجد هوايشنغ بمدينة قوانغتشو ومسجد تشينغجينغ بمدينة تشيوانتشو (التي كان العرب يسمونها مدينة زيتون) وغيرها من المساجد القديمة، وكذلك في المساجد الصينية التي بنيت في وقت متأخر مثل جامع عيد كاه بمدينة كاشغر. وكما ترك تأثيراته في الفن المعماري التقليدي الصيني. ويتمثل ذلك فيما يلي:



1- لقد كانت معظم الباغودات الطوبية في الصين قبل دخول الإسلام مربعة أو مسدسة أو مثمنة الأركان، وتخلو من السلالم في داخلها. غير أن المنارة الطوبية لمسجد هوايشنغ تظهر على شكل اسطوانة. وتتكون جدرانها من طبقين، وبداخلها سلمان لولبيان متقابلان يبلغ عدد درجات كليهما 154 درجة. ويمكن رؤية نافذة على جدرانها بعد عدة درجات، وهذا التركيب الرائع للمنارة أثر في الباغودات المبنية في الصين فيما بعد، بدليل من أن أغلبيتها صار لها سلالم في داخلها.



2- عرفت بلاد العرب بكفاءتها في هندسة البناء الحجري منذ القدم. فلا غرو أن يكون مسجد تشينغجينغ المبني بالحجارة تماما آية في الروعة من حيث هندسة بنائه. فجدران قاعة الصلاة والبوابة مثلا قد بنيت كلها بالاستفادة من البلاط المستطيل الشكل في صف والبلاط المستطيل والمربع على التناوب في صف آخر .. هلم جرا. الأمر الذي جعل الجدران المبنية على هذا النحو تبدو في غاية الجمال. وبفضل ظهور مسجد تشينغجينغ في مدينة تشيوانتشو انتقلت هندسة البناء الحجري العربية إلى الصين.



3- لقد كانت أشكال الأبواب والنوافذ في الصين قبل دخول الإسلام إليها في أواسط القرن السابع رتيبة نسبيا لتكونها من الألواح الخشبية المستقيمة ليس غير. أما مثيلاتها في المباني الإسلامية الطراز فهي متنوعة الأشكال زاهية الألوان. خذ بوابة مسجد تشينغجينغ مثلا: تتربع هذه البوابة على قطعة مستطيلة من الأرض. وتنقسم إلى جزأين، يسمى أحدهما "المدخل الخارجي" المفتوح، والآخر "المدخل الداخلي" المغلق. ويتكونان من أربعة عقود خوخية الشكل. وتزين العقدين الأول والثاني نقوش جميلة من الصخور الخضراء، ويتباعد العقدان الثالث والرابع أحدهما عن الآخر لوجود ممر بينهما. وهذا النوع من البوابات الإسلامية الطراز المتداخلة العقود قد ترك أثره في الفن المعماري الصيني.



4- إن المباني الإسلامية الطراز مقببة غالبا. فما من أحد رأى مسجد عيد كاه بمدينة كاشغر ومسجد ناقوان بمدينة ينتشوان إلا عرف أنهما من المباني الإسلامية فورا. وبعد دخول الإسلام إلى الصين ازداد عدد المباني المقببة فيها أكثر فأكثر، مما أدى إلى تنويع أشكال المباني الصينية.



5- تتجلى روعة المباني الإسلامية الطراز في مرونتها في تقسيم الفراغات وتوزيع الأجزاء بوجه عام، وفي زخرفتها المعمارية بالرسوم والنقوش بوجه خاص. من ذلك أن التشكيلات الجصية والدهانات الملونة والنحوت الخشبية والمركبات المعمارية المصنوعة من الشرائح الخشبية الصغيرة الأحجام والنقوش الطوبية المتنوعة على هذا النوع من المباني لا تتميز بأشكالها المشوقة الرائعة وألوانها الزاهية فحسب، بل تتميز أيضا بأساليب تعبيرية مختلقة ورسوم ملونة بما يبدو فيها من زخارف فريدة إلى جانب انسجام بعض هذه الزخارف مع بعضها الآخر. فلا نبالغ إذا قلنا بأن الكثير من زخارفها جدير بأن يصنف في عداد الصناعات الفنية الرائعة والمهارات الفريدة التي يرجع إليها المعماريون والفنانون في الإبداع الفني والبحوث العلمية.



بالإضافة إلى ذلك فإن مباني المساجد الصينية القديمة المميزة بالأسلوب المعماري الإسلامي تتوزع على نحو غير متناسق خلافا للمباني التقليدية الصينية. والدليل على ذلك أن مآذن هذه المساجد غالبا ما تنتصب على يمين قاعات الصلاة بدلا من أن تقع معها على خط مستقيم. وبوابة مسجد تشينغجينغ تقوم على الجانب الشرقي من جداره الجنوبي. فلا يمكن للمرء أن يصل إلى قاعة الصلاة إلا بعد أن ينثني إلى الشمال سيرى في ممر مؤد إلى هناك. معنى ذلك أن بوابة المسجد لا تواجه قاعة الصلاة. وكان توزيع المباني على هذا الشكل غريبا بالنسبة إلى الصينيين.



وجملة القول أن الفن المعماري الإسلامي كان مثار الإعجاب وسط الصينيين بميزته الخاصة. وإن دخوله إلى الصين قدم برهانا على التبادل الثقافي الصيني العربي عبر التاريخ، كما أسهم بقسط معين في تنمية الفن المعماري الصين أيضا. وهذا هو سر إدراج الحكومات الشعبية من مختلف المستويات الكثير من المباني الإسلامية الطراز في قائمة أهم الآثار المحمية. ولذلك فقد سلمت أعداد منها من التدمير حتى خلال هوس "الثوية الثقافية".



ومنذ أواسط القرن الثالث عشر على وجه التقريب بدء ببناء المساجد في الصين اعتمادا على الأسلوب الصيني التقليدي. وذلك للانسجام مع الظروف الصينية بطبيعة الحال. وزد على ذلك أن أغراض المساجد في الصين ازدادت مع مرور الأيام. ولذلك فإن المساجد على مثال نظيرتها خارج الصين تماما لا يتفق مع حاجة المسلمين الصينيين الواقعية.



ولا يخفى على أحد أن المساجد المبنية حسب الأسلوب المعماري الإسلامي عادة ما تتكون من قاعات الصلاة والمآذن والمواضي دون أن تلحق بها مبان إضافية، ولا تكون لها أفنية إلا نادرا. أما المساجد الصينية الطراز فتلحق بها كثير من المباني الإضافية والأفنية الفسيحة إلى جانب مبانيها الرئيسية. ولنأخذ جامع دونغقوان بمدينة شينينغ مثالا على ذلك: تنوف مساحة قاعة صلاته على 1.100 متر مربع، غير أن مساحة مبانيه الإضافية تبلغ 3.500 متر مربع، وأن مساحة فنائه تشغل 8.400 متر مربع. ومعنى ذلك أن مساحة قاعة الصلاة فيه أصغر من مساحة مبانيه الإضافية، وأن مساحة هذه الأخيرة أصغر من مساحة فنائه بكثير. وكذلك حال سائر مساجد الصين على وجه التقريب. وهذا يبين أن المساجد الصينية الطراز تختلف عن المساجد في بقية أجزاء العالم اختلافا كبيرا. وعلاوة على ذلك فإن هذا النوع من المساجد يخلو من المآذن على وجه العموم. ويعزى السبب في ذلك إلى أن علو مختلف أنواع المباني كان محددا من لدن الحكام الإقطاعيين، وخاصة في عاصمة البلاد. وحيث أن المآذن لا يمكنها أن تظهر فعاليتها إلا إذا فاقت سائر المباني في المساجد علوا، لذلك اضطرت مساجد كثيرة، إلى الكف عن بناء المآذن. أما المساجد المتناثرة في المناطق النائية التي كانت غير جادة في تطبيق النصوص القانونية، أو التي كانت مناطق ضعيفة الحكم، فوضعها مختلف. وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك سببا آخر لعدم وجود المآذن في مساجد الصين، وهو أن المسلمين في المناطق الداخلية من الصين غالبا ما يسكنون مع بني وطنهم من غير المسلمين على نحو مختلط. فأصبح من عادة المؤذنين أن يؤذنوا بصوت خافت خوفا من إزعاج جيرانهم. والأذان في الصين يتم قبل إقامة الصلاة مباشرة، وليس هناك فترة معينة بين الأذان والصلاة كما نرى خارج الصين. ونعرف من ذلك أن الأذان في الكثير من المناطق الداخلية من الصين قد غدا شكليا.



غير أن الكثير من المساجد الصينية الطراز تزهو بأبراج "مشاهدة الهلال" التي لا ترى خارج الصين. ومع أن هذا النوع من المباني لا يمتاز بشكل معين، إلا أنها أعلى من سائر مباني المساجد بعض الشيء على وجه العموم. وأغلبيتها تنتصب خلف قاعات الصلاة. وقد سميت بذلك لأنها كانت تستخدم في مشاهدة هلال رمضان وشوال. ولكن قيمتها الزخرفية قد تجاوزت قيمتها الاستعمالية على كر العصور، لأن الناس قلما يعتلونها لمشاهدة الهلال. ومع ذلك فإن جدران هذه الأبراج الملتصقة بقاعات الصلاة من الخلف تعتبر محاريب لائقة.



وتتجلى مزايا المسجد الصيني الطراز في تناسق مبانيه وانسجامها مع بعضها بعضا، وتوزع الرئيسي منها والملحق توزعا مناسبا، مما يشكل وحدة متكاملة من المباني الرائعة. أما قاعة الصلاة ¨C أهم مباني المسجد ¨C فتقع في غربي المسجد وتشكل مع جناحيه الجنوبي والشمالي وبوابته القائمة في الشرق دارا مربعة (أي دار تحيط بها المباني من جميع الجهات، وتتوسطها فسحة مربعة)، ولكن هناك كثيرا من المساجد ينقسم كل منها إلى قسمين أو ثلاثة أو أربعة أقسام متراصة تفصلها المباني، مما يشكل مجموعة من الرحاب. ولكل قسم من هذه الأقسام وظيفته وميزته الفنية. ولو تمشيت من مدخل هذا النوع من المساجد إلى الداخل لانتابك شعور بأن مناظره تتجدد من حين لآخر، وأن مبانيه تزداد روعة، وإن كان أسلوبها الفني موجدا. أما جامع هواجيويه بمدينة شيآن فهو الأفضل من نوعه. وينقسم هذا الجامع إلى أربعة أقسام متلاصقة، يخترقها خط محوري وهمي، يبتدئ من الحاجز الزخرفي القائم في أوسط طرف الجامع الشرقي، وينتهي بمحراب قاعة الصلاة عبر القوس الخشبي والقوس الحجري والمئذنة ومقصورة العنقاء وبرج مشاهدة الهلال .. على التوالي. والظريف أن الصدع بين مصراعي كل باب من أبواب جميع الأقسام يواجه الخط الأوسط الرأسي للمحراب دون أيما تفاوت. وعلى الرغم من أن هذه الميزة خاصة بالفن المعماري الصيني التقليدي، إلا أن انعكاسها في الجوامع والمساجد يحمل معنى عميقا، حتى ليقال أن رؤية المحراب من مدخل المسجد على بعد المسافة بينهما ترمز إلى أن المرء سيسير، لو دخل المسجد، على "الصراط المستقيم" المذكور في فاتحة القرآن الكريم.



وبالإضافة إلى ميزة المساجد الصينية الطراز المتمثلة في مواجهتها الشرق وتميز بعضها بالمآذن وبعضها الآخر بأبراج مشاهدة الهلال، ليس هناك فرق بينها وبين المباني الصينية التقليدية مبدئيا (وهي تواجه الجنوب إلى جانب خلوها من المباني المذكورة أعلاه). معنى ذلك أن هذا النوع من المساجد مثل جامع هواجيويه بمدينة شيآن ومسجد دونغشي ببكين والجامع الشرقي في مدينة جينينغ تتسم بميزات المباني الصينية التقليدية، وخاصة في مبانيها الرئيسية مثل قاعة الصلاة والبوابة والمئذنة. إن هذه المساجد المبنية بالطوب والخشب على نحو رئيسي لا تسر الناظرين بأشكالها الخلابة وألوانها الزاهية فحسب، بل تشرح الصدور بصحونها الفسيحة شأنها شأن سائر المباني الصينية التقليدية تماما. ومع ذلك فإنها بسماتها الخاصة في زخارفها الداخلية التي تشتمل على كتابات نافرة مذهبة من الآيات القرآنية على عقود قاعة الصلاة وصورة للبيت الحرام على المحارب تعلوها البسملة أو الكلمة الطيبة، ويزدان جانباها بعبارتين متوازيتين. وهناك مساجد تتزين جدران قاعات الصلاة فيها بكتابات نافرة من المواغظ الحسنة. كما أن هناك مساجد سقفت قاعات الصلاة فيها الرسوم الملونة البهيجة المكونة من كتابات عربية. هذه الزخارف الإسلامية كلها توحي إلى القادمين بأن المباني التي دخلوها عبارة عن مساجد وليست مباني أخرى.



لقد عرفنا مما ذكر آنفا أن المساجد الصينية الطراز تجمع بين الفن المعماري الصيني التقليدي والفن الزخرفي الإسلامي. فيجوز لنا القول بأن هذا النوع من المساجد يعد تجديدا في الفن المعماري الصيني التقليدي كما يعد جوهرة من جواهر الفن المعماري الإسلامي العالمي. وقد أدرك المختصون بتاريخ المباني الإسلامي أن المساجد الصينية الطراز تتميز بقيمتها الفنية، كما اعتبروها من قبيل الفنون المعمارية الإسلامية العالمية.



من المعروف أن المساجد لا يمسح بزخرفتها برسوم ونقوش من الحيوانات إلا أن المساجد الصينية الطراز كانت عادة ما تزخرف بنقوش من التنين والعنقاء والأسد والنمر باستثناء أجزاء قاعات الصلاة الداخلية. وكان هناك مسلمون امتنعوا عن استعمال هذا النوع من الزخارف وقت بنائهم المساجد لعلمهم أن ذلك يخالف أحكام الدين. ولكن المسلمين في أغلبية المناطق كانوا يرون أن ظهور صور الحيوانات والطيور في المساجد لا حرج فيه، ما داموا يوقنون بالله تعالى ويعبدونه عبادة خالصة مستندين في ذلك إلى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "إنما الأعمال بالنيات،¬" وبالإضافة إلى ذلك فقد كانت أعداد من المساجد لا تخلو من الصبغات الكونفوشية. خذ مثلا ما ورد في رقيم مسجد تشينغشيو بمدينة شيآن بقلم وانغ هونغ: " ولد النبي الغربي (يقصد به رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد كونفوشيوس، ويتباعد موطنه عن موطنه، ويختلف عهده عن عهده، ولغته عن لغته، ولكن تعليم النبي الغربي تتفق مع تعاليم كونفوشيس. ويعزى السبب في ذلك إلى أن قلبيهما من نمط واحد". معنى ذلك أن الكونفوشية هي مقياس صحة الإسلام. إن هذه المقولة خاطئة تماما حسب وجهة النظر الإسلامية، ذلك أن قيمة الإسلام لا تتوقف على موافقته الكونفوشية أو عدم موافقته إياها. وليس هذا فحسب، فهناك عدد من المساجد فيها ألواح كتبت عليه تعاليم كونفوشية مثل "ارضخوا للقضاء والقدر، وأطيعوا أولى الأمر وتعاليم النبي (يقصد به كونفوشيس)" و"إياك والنظر إلى القبائح والاستماع إلى الأباطيل والتكلم بالفضائح وممارستها" .. الخ. وأما في عهد أسرة تشينغ (1644-1911م) فقد اضطرت المساجد الصينية إلى احتواء ألواح كتب عليها "عاش الإمبراطور الحالي، عاش، عاش!" ولذلك فقد رأى عدد من المستشرقين أن الإسلام في الصين قد "تكنفش". وفي الحقيقة أن هذا الاستنتاج عار من الصحة إذ أن الصبغات التي فرضت على المساجد آنذاك كانت نتيجة ضغوط سياسية ليس الا.



ولما انتصرت ثورة 1911 برئاسة الدكتور صون يات صن أخذت الوهابية تنتشر وسط المسلمين الصينيين بجهود الحاج البستاني (لقب الإمام ما وان فو الذي ولد في قرية قويان ¨C بمعنى "البستان". وحين أدى فريضة الحج التصق به لقب "الحاج البستاني")، ومن هنا زالت الصبغات الكونفوشية عن المساجد إلى حد كبير، وطرأت تغيرات كبرى على ملامحها.



وأول ما اختفى من المساجد بين عشية وضحاها ألواح الهتاف بحياة الإمبراطور. أما الألواح المميزة بالصبغات الكونفوشية في المساجد فقد أزيلت من مواقعها على الأغلب. وفي الوقت ذاته بادر المسلمون في المناطق المتأثرة تأثرا عميقا بأفكار الحاج البستاني الداعية إلى "اتباع الكتاب والسنة ونبذ العادات السخيفة" إلى إزالة صور الحيوانات والطيور من المساجد أو نقلها إلى أماكن أخرى. ولكن معظم المسلمين لم يحذوا حذوهم في هذا الأمر رغبة منهم في الحفاظ على كمال مباني المساجد. ومع ذلك فإن المساجد التي بنيت بعد ثورة 1911 قليلا ما ترى فيها صور الحيوانات والطيور. ومن أجل إبراز ميزات الإسلام أخذت علامة الهلال تزداد ظهورا على مباني المساجد. وجدير بالذكر أن الكثير من المساجد المبنية حديثا صارت خليطا من الأسلوب المعماري الصيني ونظيره الإسلامي. وكان مسجد تيانتشياو ببكين ومسجد تونغتشين بنينغشيا من هذا القبيل. وبعد استعمال الإسمنت في البناء المعماري على نطاق واسع لم تعد المباني العامة في الصين تشيد على الأسلوب المعماري الصيني التقليدي على وجه العموم. وفي ظل ذلك شهدت الصين عددا كبيرا من المساجد الإسمنتية التركيب والمميزة بالأسلوب المعماري الإسلامي. ومن أشهرها جامع نانقوان في مدينة ينتشوان ومسجد شاديان الغربي بمقاطعة يوننان ومسجد جينتشو بمقاطعة لياونينغ ومسجد تابيه بمقاطعة تايوان ومسجد جيولونغ في هونغ كونغ ..


  • مسجد سونغجيانغ - شانغهاي - الصين

بنى المسلمون الصينيون من مختلف القوميات (هوي والأويغور والقزخ والقرغيز والتتار والأوزبك والطاجيك ودونغشيانغ وسالار وباوآن) كثيرا من المساجد الكبيرة والصغيرة، حيث يبلغ عدد أبناء هذه القوميات المسلمة 18 مليون نسمة، يتوزعون في نينغشيا وشينجيانغ وقانشو وتشينغهاي.

كما ينتشرون في مدن وقرى سائر المقاطعات والبلديات والمناطق الذاتية الحكم الأخرى بما فيها مقاطعة تايوان وهونغ كونغ وماكاو.

يبلغ عدد المساجد في الصين الآن أكثر من 30 ألف مسجد، بعضها ذو تاريخ عريق، حيث تعتبر من فرائد الآثار التاريخية في الصين.

قيل إن أول مسجد ظهر إلى حيز الوجود في الصين كان في عهد أسرة تانغ (618 - 907م)، وهو مسجد هوايشينغ الذي يعني (الحنين إلى النبي) بمدينة قوانغتشو. ويقال بأنه شيد على يد المسلم وقاص الذي جاء إلى الصين لنشر الإسلام.

كان الصينيون في أواخر عهد أسرة تانغ وأوائل أسرة سونغ (960 - 1279م) يسمون المسجد "لي تانغ" الذي يعني قاعة الاجتماع، ثم أطلقوا عليه اسم "لي باي تانغ" الذي يعني قاعة الصلاة أو "سي تانغ" الذي يعني المتعبد.

وفي أواسط القرن الثالث عشر أخذ المسلمون الصينيون في تسمية المسجد "تشينغ تشن سي" الذي يعني متعبد الصفاء والحق. وقد صارت هذه التسمية شائعة الاستعمال بعد مضي قرنين من ظهورها.

يشار بكلمة "تشينغ" التي تعني الصفاء إلى أن الله الله صاف لا تشوبه شائبة أبدا، وأنه غير مستقر في مكان محدد، وأنه الأول والآخر.

بينما يشار بكلمة "تشن" التي تعني الحق إلى أنه {الله أحد، الله صمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد}। أما كلمة "سي" التي تعني المتعبد فهي كلمة مستعارة من البوذيين الصينيين। وهذه التسمية تختلف طبعا عن كلمة المسجد إلى حد بعيد.

كانت سونغجيانغ بلدة ذات موقع استراتيجي هام في الدفاع البحري في عهد أسرة يوان (1271-1368م). وقد انتقل إليها مسلم يدعى ناصر الدين في عهد تشيتشنغ (1341-1368م) ليعمل حاكما هناك. وحيث أنه كان متمسكا بالإسلام، فقد أخذ معه عددا كبيرا من المسلمين إلى هناك. وكان عدد منهم يعملون في الهيئات العسكرية والحكومية، بينما كان معظمهم يمارسون الزراعة والصناعات اليدوية. وقد بنت حكومة أسرة يوان مسجدا إمبراطوريا في سونغجيانغ، مما جعل أولئك المسلمين يعيشون هناك مطمئني بدلا من أن تضطرب نفوسهم. هذا هو مبعث بناء مسجد سونغجيانغ القائم حتى زماننا هذا.



يقع هذا المسجد في شارع قانغبنغهانغ من بلدة سونغجيانغ. وهو من المساجد ذات التاريخ القديم. وتشتمل مبانيه على قاعة صلاة ومئذنة ودورة مياه للوضوء وقاعة دعوة. وقد جرى ترميم هذا المسجد وتوسيع بنائه أربع مرات في سنة 1391 وسنة 1582 وسنة 1644 وسنة 1821م حسب ما جاء في التدوينات التاريخية المتوفرة هناك.

يظهر على العتبة العليا لبوابة المسجد مقطعان منقوشان: "تشي جيان" (البناء الإمبراطوري). وتواجه قاعة الصلاة برج مشاهدة الهلال القائم شرقها. وهو مرفوع الأفاريز. ويتظلل فناء المسجد بالأشجار الناضرة، ويسوده هدوء مما يثير في النفوس شعورا بالسكون والراحة النفسية. ويمكن للمرء أن يدخل إلى الفناء نزولا على الدرجات الغرانيتية تحت أقدام البرج، ثم يجد نفسه أمام قاعة الصلاة العريقة عبر الفناء. وهي عريضة الواجهات، وتتكون من ثلاثة مبان متراصة. وكانت فيها أعداد من الألواح الخشبية المزخرفة بالحواشي المنقوشة جيدا. في صدر كل منها كتابات صينية مموهة بالذهب علما بأنها مخطوطة على أيدي الشخصيات المرموقة دون استثناء. وبالإضافة إلى ذلك تتزين جدرانها بالكتابات العربية المموهة بالذهب. وهي تشكل زخارف متألقة، تنعكس فيها لوذعية حرفية القدامى.



تشير الكتابات المنقوشة على النصب الحجري المقام سنة 1677م إلى أن المسلمين هناك كانوا قد لجئوا، بمبادرة من ساي ين تشانغ، إلى ترميمه بما تبرعوا به من الأموال، مما أبقاه ثابتا على الدوام. وتشير الكتابات المنقوشة على النصب الحجري المقام سنة 1821م إلى أن ما جين، أحد العسكريين المسلمين، كان قد دعا إلى جمع التبرعات من بين المسلمين لينفقها في ترميم المسجد دون أن يسمح بصرفها لأغراض أخرى. فشارك المسلمون هناك في حملة التبرعات بحماسة ما بعدها حماسة تلبية لدعوة ذلك العسكري المسلم. وانتهى بهم الأمر إلى تجديد ملامح المسجد تماما.



وقد غدا مسجد سونغجيانغ عرضة للسقوط في عهد جمهورية الصين (1912-1949). ومن أجل حماية الآثار التاريخية خصّصت الحكومة الشعبية الأموال سنة 1955 لترميمه، مما أعاده إلى الصورة التي كان عليها. وما يدعو إلى التألم هو أنه قد تعرض للتخريبات المدمرة في هوس الثورة الثقافية. ولم تجدد ملامحه الأبعد ترميمه مرة أخرى سنة 1980. وقد أدرج هذا المسجد القديم في قائمة الآثار التاريخية المحمية في بلدة شانغهاي.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



مسجد نيوجيه



مسجد نيوجيه (بالصينية 牛街礼拜寺) هو من أقدم المساجد في شمالي الصين. وقد بني سنة 996م حسب ما جاء في تاريخ قانغشانغ. وتفيدنا المدونات التاريخية أن أحد العرب، ويدعى الشيخ قوام الدين، قد جاء من بلده إلى الصين. وكان معه ثلاثة أولاد: ابنه البكر صدر الدين، وابنه الثاني ناصر الدين، وابنه الثالث سعد الدين، وكلهم أذكياء وأكفاء فوق العادة. وكان من طبيعتهم أن عاشوا عيشة الإعتكاف، فلم يستسيغوا أبدا الوظائف التي منحهم إياها البلاط الإمبراطوري. ولذلك فقد أنعم على كل منهم بلقب إمام المسلمين حين استوطنوا الصين. أما صدر الدين فقد غادر مقره إلى أماكن أخرى لنشر الإسلام ولم يرجع. وقام سعد الدين ببناء مسجد في دونغقوه، الناحية الشرقية من بكي، كما قام ناصر الدين ببناء مسجد في ضاحية بكين الجنوبية (أي ناحية نيوجيه اليوم) بأمر من الإمبراطور. وهذا المسجد الأخير هو مسجد نيوجيه اليوم.


وقد كان مسجد نيوجيه صغير الحجم في بادئ الأمر، ثم أصبح على الصورة التي نراها اليوم بعد توسيع بنائه مرارا في عهد أسرتي مينغ وتشينغ (1368-1911م). وفي سنة 1474م أطلق الإمبراطور عليه اسم لي باي سي الذي يعني (دار الصلاة) . ولما تم ترميمه سنة 1696م على حساب البلاط الإمبراطوري منح لوحا مكتوبا عليه "دار الصلاة الإمبراطورية".


تبلغ مساحة هذا المسجد حوالي آلاف متر مربع. ومع أن مبانيه لا تختلف عن القصور الكلاسيكية الصينية شكلا وتوزيعا إلا أنها مميزة بالزخارف الإسلامية الطراز. أما قاعة الصلاة في المسجد فتواجه الشرق، وهي تشكل مع القاعة المقابلة لها وجناحي المسجد الجنوبي والشمالي دارا مربعة مثالية (أي دار تحيط بها المباني من الجهات الأربع وتتوسطها ساحة رحبة) . وأما بوابة المسجد، فهي مفتوحة إلى الغرب، وأمامها حاجز من الطوب كبير، ووراءها برج لمشاهدة الهلال، سداسي الأضلاع مزدوج الأفاريز. وأمام قاعة الصلاة اثنتان من المقصورات الصخرية، تنتصب إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال. وتبدو مباني المسجد منسجمة متناسقة ومحكمة. فهي مجموعة كاملة من المباني الرائعة.


تتكون قاعة الصلاة من ثلاثة مبان متراصة طولاً، وخمسة فسح عرضا. وهي تغطي مساحة قدرها أكثر من ستمائة متر مربع، وتتسع لقرابة ألف مصلي في آن واحد. ولو ألقيت نظرة على القاعة من الخارج، لوجدتها مبنى كلاسيكيا صينيا نموذجيا بما تتميز به من الأفاريز المرفوعة والتركيبات الخشبية الزاهية الألوان، غير أن زخارفها الداخلية إسلامية الطراز تماما. ومحارب قاعة الصلاة مسقوف بمقصورة مسدسة الأضلاع مخروطية الشكل مميزة بالسقف الدائري الملون من عهد أسرة سونغ (960-1279م) . وعلى جدرانها الجنوبية والشمالية نوافذ منقوشة بالكتابات العربية. وفي قاعة الصلاة ثماني عشرة دعامة وواحد وعشرون عقدا. وتظهر على عتبات العقود العليا نقوش من الآيات القرآنية والتسابيح الإلهية والمدائح النبوية. وعلى جنبات الدعامات القرمزية اللون نقوش لزهور مموهة بالذهب، مما يشكل مع الثريات المعلقة في القاعة منظرا فريدا من نوعه. وكان لهذه القاعة عيب متمثل في الحرارة الخانقة التي يعاني منها المصلون صيفا والبرد القارص شتاء لشدة قدمها، ولكن هذا العيب قد تم تفاديه بعد تزويدها بأجهزة التهوية منذ سنوات. ولو ذهبت إلى الركن الجنوبي الشرقي من المسجد لألفيت نفسك أما مرقدين للشيخ أحمد البرتاني المتوفي سنة 1280م والشيخ عماد الدين المتوفى سنة 1283م، وهما من علماء الإسلام العرب الذين جاءوا إلى الصين لنشر الإسلام. وتنتصب بجوار هذين الضريحين شاهدتان منقوشتان بكتابات عربية واضحة الخطوط حتى يومنا هذا. وهما في نظر المسلمين المحليين من روائع الآثار الإسلامية.


ومن ضمن محفوظات المسجد لوح منقوش عليه أمر أعلنه الإمبراطور كانغشي سنة 1694م بخصوص المسلمين. إذ قيل أنه لما وجد الحاقدين على الإسلام المسجد مضاء بالأنوار المتألقة في ليالي رمضان، وشي بالمسلمين إلى الإمبراطور بدافع التقرب أليه، وزعم قائلا: "أن المسلمين يجتمعون ليلا، ويتفرقون نهار، فيبدو أنهم يستعدون للتمرد". فتوجه الإمبراطور في بزة مدنية إلى المسجد خفية للتحقق من الأمر. ولكن تبين له أن كل ما ورد في وعظ الإمام هو من التعليمات الإسلامية الداعية إلى الخير والناهية عن الشر، فما لبث أن أصدر أمرا جاء فيه: "ليكن في علم جميع المقاطعات أنه إذا افترى أحد الموظفين أو الرعايا على المسلمين بالتمرد، متذرعا بذريعة تافهة، فلا بد من معاقبته معاقبة شديدة قبل استشارة القيادة العليا. وليتمسك المسلمون بالإسلام دون السماح لهم بمخالفة أمري هذا.."


وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949م خصصت الحكومة مبلغا لترميم مسجد نيوجيه ترميماً شاملاً. ولكنه عاني من التخريبات الخطيرة في هوس "الثورة الثقافية"، كما أغلقت أبوابه أكثر من عشر سنوات. وفي سنة 1979 أعيد ترميمه على نطاق واسع. وعبر أكثر من سنة من الإصلاحات الدقيقة تجددت ملامح هذا المسجد العريق كما كان عليه سابقا.

مسجد هوايشينغ في مدينة قوانغشو






عندما كانت التبادلات الاقتصادية والثقافية بين الصين وبلاد العرب في أوج ازدهارها في عهد أسرة تانغ (618-907)، توارد عدد كبير من التجار العرب إلى مدينة قوانغتشو ¨C إحدى المدن الساحلية في الصين وأبرز موانئها ¨C مرورا بالخليج العربي وخليج البنغال ومضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي وكان من ضمنهم جماعة استوطنوا هذه المدينة فبنوا فيها مساجد لأداء الصلاة ومعالجة شؤونهم المتعلقة بالدين والعبادات. ويعتقد بأن مسجد هوايشينغ (المسمى أيضا "مسجد قوانغتا" ¨C المنارة ¨C لفخامة منارته) هو من المساجد التي تم بناؤها على أيدي الجاليات العربية الإسلامية آنذاك. ولكن الرواية التي سبق ذكرها في صدر الكتاب تقول بأنه سيد على يد الصحابي الجليل سعد ابن أبي وقاص رضى الله عنه الذي جاء إلى الصين لنشر الإسلام بأمر من النبي. أما الكتابات العربية المنقوشة على اللوح الرخامي في مسجد هوايشنغ، فتتفق وما ورد في الرواية، إذ جاء فيها:

"هذا هو أول مسجد في الصين بناه سيدنا وقاص رضى الله عنه، إذ دخل هذه الدار لإظهار الإسلام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جدده المتأخرون مرة بعد مرة. قد حفظه الله تعالى إلى الآن سليما من الآفات. وهو في الصين مبدأ الإسلام ومنبع العلوم. فينبغي لمسلمي الصين أن يزينوا ظهره بالعمارة الحسنة، ويصلحوا باطنه بإقامة الجماعة. وعلى مسلمي هذا البلد خصوصا إنشاء مدرسة. فاعتبروا يا أولى الأبصار .. التوقيع: الوصي سليمان عند الكريم" إن هذه الكتابات العربية سليمة ومتماسكة لغويا. فمن المحتمل أن تكون من كتابات أحد المسلمين العرب الذين استوطنوا مدينة قوانغتشو في وقت مبكر. ولكن ليس هناك سبيل إلى معرفة الزمن الذي نقشت فيه هذه الكتابات غير المؤرخة. ومع ذلك فإن كلمات "ثم جدده المتأخرون مرة بعد مرة" الواردة في الكتابات توحي إلينا بأنها كتبت بعد زمن طويل من بناء المسجد. أما الصحابي سعد وقاص الوارد في الرواية، فبالإضافة إلى ورود ذكره في الكتابات العربية المنقوشة ما يزال ضريحه قائما على مقربة من جسر ليوهوا في ضواحي قوانغتشو. وجرت العادة على تسميته "ضريح الحكيم المرحوم" تعظيما لشأن صاحبه. وأكثر من ذلك أن المسلمين هناك يقومون عادة بزيارة هذا الضريح في الأعياد الإسلامية، سائلين الله أن يتغمد صاحبه برحمته ومغفرته. وقد تبين لنا أن مجيء شخص إلى الصين يدعى وقاص لإظهار الإسلام قد حدث فعلا ودون أدنى شك. وبيد أن "وقاص" الذي يتردد اسمه على ألسنة المسلمين الصينيين ليس الصحابي سعد ابن أبي وقاص الذائع الصيت في عهد النبي عليه السلام. إذ أن كل من له دراية بتاريخ الإسلام لا يخفى عليه أن هذا الأخير كان قائدا عسكريا بجوار النبي عليه السلام، ظل ملازما له في غزواته لمحاربة أعداء الإسلام من مكان لآخر، وساهم بقسط كبير في الكثير من المعارك التي جرت في فجر الإسلام. وإثر ذلك انتقل إلى القادسية في العراق اليوم بأمر من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ورضى الله عنه، حيث قاد معركة عنيفة ضد الفرس، عقد له فيها لواء النصر، واظهر الكثير من المواهب العسكرية المثيرة للإعجاب. وقد أبلى في القتال بلاء حسنا على امتداد حياته، وخاض غمار الكثير من المعارك الحامية الوطيس قبل أن توافيه المنية في المدينة المنورة سنة 675م. وأهم من ذلك ان المصادر العربية لم تذكر قط أن الصحابي الجليل سعد ابن أبي وقاص قد وطئت قدماه الصين. فغاية ما يمكن أن يقال في أمر وقاس الوارد ذكره في الرواية أنه مجرد تشابه في التسمية، ليس الا.

أن "تاريخ تينغ" الذي ألفه يوه كه هو أول كتاب صيني ذكر فيه مسجد هوايشنغ. وقد بدا المؤلف يدون ذكرياته في العاشرة من عمره (أي في سنة 1192م) قائلا: "في المسجد منارة، ارتفاعها عشرات الأمتار. وكل ما نقش عليها كتابات غربية" دون ان يشير إلى تاريخ بنائه .. وبعد أربع عشرة سنة من ذلك (أي في سنة 1206م) تم للشاعر فانغ شين رو تأليف ديوان شعر بعنوان ((مائة أنشودة لبحر الصين الجنوبي)) وبين دفتيه قصيدة بعنوان ((تمجيد المنارة الأجنبية)) ورد في حاشيته الختامية ما يلي: "بدى ببناء المنارة الأجنبية في عهد أسرة تانغ. وجرت العادة على تسميتها ،®منارة هوايشنغ،®، وتبدو على شكل اسطوانة. ويبلغ ارتفاعها عشرات الأمتار". زد على ذلك أن الكتابات المنقوشة على ((نصب تجديد بناء مسجد هوايشنغ)) والمسجلة بيد قوه جيا في سنة 1350م، تشير إلى أن المسجد "قائم من عهد أسرة تانغ". ونستدل من ذلك على أهمية القول ببنائه في تلك الفترة! غير أن التدوينات التاريخية المذكورة أعلاه ظهرت بعد 300-400 سنة من تاريخ بناء المسجد المبين في الرواية الشائعة، فلا يمكن اعتبارها مستندا لتحديد تاريخ المسجد من حيث وجهة النظر التاريخية. هذا ما دفع بعض المؤرخين إلى القول بأن تاريخه قد يعود إلى القرن الثاني عشر الذي ظهرت فيه تدوينات يوه كه وفانغ شين رو. وبدهي أن هذا الرأي ليس له أساس من الصحة كما ذكرنا سابقا. وهناك فريق من المؤرخين رأوا أن المكان الذي كان ذلك المسلم الصيني يؤم فيه المصلين بتعيين من الإمبراطور الصيني هو سلف مسجد هوايشنغ على الأرجح، وان كانت المنارة غير مذكورة في كتاب ((رحلة سليمان)) الذي تم تأليفه في القرن التاسع. وهؤلاء المؤرخون لا يعتبرونها دليلا يؤكد وجود المسجد أو عدم وجوده، ذلك أنها لا تؤثر في كيان المسجد أبدا سواء أكانت موجودة أم غير موجودة. اذ يمكن اعتبار المسجد قائما بمجرد قيام مبناه الرئيسي ¨C قاعة الصلاة. أما المنارة ¨C وهي مبنى جانبي للمسجد ¨C فيجوز بناؤها خلال بناء قاعة الصلاة، ويجوز بناؤها بعد ذلك بفترة من الزمن. وتحليل المسالة على هذا النحو يبين لنا أن القول ببنائه في عهد أسرة تانغ له ما يسوغه، وليس مجرد تلفيق.

وفيما يختص بتسمية المسجد يشير كتاب ((فصول تانغ الستة)) إلى أنه "بني على يد الجنرال هواي شنغ، فأطلق عليه اسمه"، بينما تفيدنا المنقوشات على ((نصب تجديد بناس المسجد)) أنه: "سمي بذلك (أي هوايشنغ وهي تحمل معنى الحنين إلى النبي) تعبيرا عن الحنين إلى النبي عليه الصلاة والسلام". وتعد المقولة الثانية مما يتفق عليه المؤرخون عموما. ذلك أن المسلمين العرب الذين استوطنوا مدينة قوانغتشو في فجر الإسلام إما أن يكونا قد نشئوا في عهد ليس بعيدا عن عهد النبي (ص)، وإما أن يكونوا قد سبق لهم ان اهتدوا إلى الإسلام على يده مباشرة. فبعد أن هاجروا إلى الصين، لم يستطيعوا كبح جماح حنينهم إلى النبي (ص). وهذا ما حداهم إلى تسمية المسجد الذي بنوه "هوايشنغ" تعبيرا عن مشاعرهم العميقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد ورد في المنقوشات على ((نصب تجديد بناء المسجد)) الذي يرجع تاريخه إلى سنة 1450 ما يلي: لقد دمر المسجد في سنة كويوي (1343م) في عهد تشنتشنغ لأسرة يوان، وغدت مبانيه أنقاضا". فليس هناك سبيل إلى معرفة ملامحه الأصلية. أما قاعة الصلاة المعاد بناؤها في سنة 1350م، فقد تلاشت هي الأخرى في الثلاثينات من القرن الجاري. غير أن مقالة ((مشاهدات في أثناء تفكيك قاعة مسجد هوايشنغ)) قد أعطت لمحة عن ملامح المسجد السابقة، اذ جاء فيها ما يلي : "يتربع مسجد هوايشنغ في شارع قوانغتا (المنارة)، ويغطى مساحة واسعة من الأرض، ويسور بسياج قصير أمام بوابته. ولو سرت من البوابة إلى الداخل عشرات الأقدام، لوجدت نفسك أما برج مشاهدة الهلال القائم الشامخ بكل خيلاء، حيث يمكن رؤية سلم متأنق وممرين مسقوفين، يمتد أحدهما في شرقي فناء المسجد والآخر في غربيه، وعلى جانبي كل منهما تنتصب كثير من أشجار الصنوبر الهرمة المخضوضرة، مما يزيد المكان جمالا وروعة. وهناك ورصيف يرتفع 9 درجات، وتطوقه الدرابزينات وتطل عليه قاعة الصلاة البادية على شكل قصر صيني الطراز. وهي مصلى للمسلمين المحليين. وقد غدت هذه القاعة المهيبة عرضة للسقوط منذ سنوات، لذلك تقرر إعادة بنائها اعتمادا على التبرعات بعد ترميم المنارة. ولكن الأهالي واجهوا الصعوبات في تحقيق ما يصبون إليه لضخامة المشروع. وأشد ما يدعو إلى القلق أنهم لن يجدوا مكانا لائقا لإقامة الصلاة إذا ما تهدمت هذه القاعة. وعبر مناقشات متكررة بدءا من السنة الماضية (1934م) إلى الشهر الجاري (في ربيع سنة 1935) اجمعوا على تفكيكها في الرابع والعشرين من الشهر نفسه. وقد تجلى للأعين ان مواد البناء المفكوكة من مواقعها أمتن وأروع بكثير من مثيلاتها في زماننا هذا. أما تسنيمة سقف القاعة فقد كانت جد متماسكة ومتكاملة لارتباط كل أجزائها بالأسلاك النحاسية والمسامير الضخمة. وغاية ما يدعو إلى الإعجاب ان اجواف التسنيمة كانت مختومة بأحكام .."

أما قاعة الصلاة التي أعيد بناؤها سنة 1935، فهي كبيرة المساحة .. حسنة الإضاءة .. مميزة بخصائص القصور التقليدية الصينية أيضا. وبعد التحرير عام 1949 مدت الحكومة الشعبية يد المساعدة إلى المسلمين هناك لترميم مسجد هوايشنغ مرارا، مما جعله يبدو في غاية الروعة والبهاء. وبالإضافة إلى أنه بيت من بيوت الله، يقيم فيه المسلمون الصينيون والأجانب صلواتهم، فقد اصبح مزارا للضيوف القادمين من كال فج عميق بعد إدراجه في قائمة أهم الآثار المحمية على نطاق مدينة قوانغتشو.

تتجلى قيمة مسجد هوايشونغ في عراقة تاريخه وضخامة بنائه المتميز بأسلوب العمارة العربي: منارة أسطوانية الشكل، ترتفع 36 مترا عن أديم الأرض .. وتبدو كأنها شعلة تناطح السحاب، لأنها تتكون من جزأين .. الجزء الأعلى يمثل فتيل الشعلة، ونظيره الأسفل يمثل بدنها. أما جدرانها المبنية من الطوب فتتكون من طبقتي داخلية وخارجية، حشر بينهما التراب لتقوية الجدران. وفي جوف المنارة سلمان لولبيان، لا يتشابك أحدهما مع الآخر، ولك منهما 154 درجة. وهناك نافذة صغيرة على جدران المنارة بعد كل عدة درجات محددة، تصلح لتسرب الضوء إلى الداخل. ولو صعدت إلى قمة المنارة، للفت نظرك معالم مدينة قوانتشو كلها. وتختلف المنارة عن الباغودات الشائعة في الصين اختلافا تاما من حيث شكلها وتركيبها على حد سواء. فيمكن القول بأنها منارة مبنية على الطراز الإسلامية البحت. وعلى الرغم من أن هذه المنارة قد أخنى عليها الدهر، إلا أنها ما زالت تنتصب بكل خيلاء على ضفة نهر اللؤلؤ كما كانت عليه سابقا.. أنها شاهد عيان على عراقة التبادلات الثقافية بين الصين وبلاد العرب، كما أنها ترمز إلى أن مجرى الصداقة بين شعب الصين وشعوب العالم الإسلامي مازال يتدفق بزخم شأنه شأن نهر اللؤلؤ تماما.


مسجد يقع في مدينة قوانغشو في الصين تم بناؤه على أيدي الجاليات العربية الإسلامية القادمة إلى الصين قديماً। ويقال بأنه بني على يد المسلم الجليل وقاص عندما جاء إلى الصين وهذا يتفق مع الكتابات العربية المنقوشة على اللوح الرخامي في مسجد هوايشنغ، حيث جاء فيها:


"هذا هو أول مسجد في الصين بناه سيدنا وقاص "


ثم جدده المتأخرون مرة بعد مرة, وليس هناك من سبيل إلى معرفة الزمن الذي نقشت فيه هذه الكتابات غير المؤرخة, أما وقاص الوارد أسمه في الرواية، فبالإضافة إلى ورود ذكره في الكتابات العربية المنقوشة ما يزال ضريحه قائما على مقربة من جسر ليوهوا في ضواحي قوانغتشو. وجرت العادة على تسميته بضريح الحكيم المرحوم تعظيماً لشأن صاحبه, وأن المسلمين هناك يقومون عادة بزيارة هذا الضريح في الأعياد الإسلامية، سائلين الله أن يتغمد صاحبه برحمته ومغفرته. وقد تبين أن مجيء شخص إلى الصين يدعى وقاص للدعوة للإسلام قد حدث فعلا ودون أدنى شك. ولكن وقاص هذا الذي يتردد اسمه على ألسنة المسلمين الصينيين ليس الصحابي سعد ابن أبي وقاص الذائع الصيت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام حيث أن المصادر العربية لم تذكر قط أن الصحابي سعد ابن أبي وقاص قد وطئت قدماه الصين. فغاية ما يمكن أن يقال في أمر وقاص الوارد ذكره في الرواية أنه مجرد تشابه في الأسماء ليس إلا.

مسجد تشنجياو



مسجد "تشنجياو" والذي يعني( الدين الحق ) وهو مسجد يقع في شارع الدكتور صون يات صن في مدينة هانتشو، وهي مدينة جميلة المناظر غنية بالثروات كانت عاصمة الصين في عهد أسرة سونغ الجنوبية (1127-1279م) كما كانت ميناء تجاريا هاما في التاريخ. سُمي أيضاً بمسجد العنقاء لأن بناءه يشبه العنقاء الناشر جناحيها. وقيل إن بوابة المسجد وبرج مشاهدة الهلال القائم عليها يشبه رأس العنقاء، وأن الممر المؤدي من البوابة إلى الداخل يشبه عنقها، وأن صفي الأشجار على يمين المسجد ويساره يبدوان وكأنهما جناحان لها، وأن المباني المتوزعة في قلب المسجد تشبه بدنها، وأن دغلة من البامبو خلف قاعة الصلاة تشبه ذيلها. أما البئران أمام قاعة الصلاة فقد جرت العادة على تشبيههما بعيني العنقاء. كما قيل أن المسجد قد تم بناؤه في عند أسرة تانغ (618-907م).



أُتلف المسجد سنة 1203م وأعيد بناؤه في عهد يوان (1271-1368م). ولكن النصب الحجري القائم في المسجد الذي يرجع تاريخه إلى سنة 1493م يشير إلى أنه قد بُني سنة 1281م، بينما يشير تاريخ هانغتشو إلى أنه شيد على يد علاء الدين العربي سنة 1314م. وقد وصف ابن بطوطة ما رآه هناك قائلاً:

"في اليوم الثالث دخلنا المدينة الثالثة، ويسكنها المسلمون. ومدينتهم حسنة وأسواقهم مرتبة كترتيبها في بلاد الإسلام. وبها المساجد ومؤذنون، وسمعناهم يؤذنون بالظهر عند دخولنا. ونزلنا منها بدار أولاد عثمان بن عفان المصري، وكان أحد التجار الكبار (الذي) استحسن هذه المدينة فاستوطنها، وعرفت بالنسبة إليه، وأورث عقبه بها الجاه والحرمة، وهم على ما كان عليه أبوهم من الإيثار على الفقراء والإعانة للمحتاجين. ولهم زاوية تعرف بالسليمانية حسنة العمارة، لها أوقاف كثيرة، وبها طائفة من الصوفية"


وقد بنى عثمان المذكور المسجد الجامع بهذه المدينة ووقف عليه وعلى الزاوية أوقافا عظيمة. وعدد المسلمين بالمدينة كثير، ونعرف من تدوينات ابن بطوطة أن المسلمين العرب كانوا قد استوطنوا هانغتشو منذ زمن بعيد. ولكن ليس في حوزتنا معلومات تدل على أن المسجد العثماني الذي رآه ابن بطوطة بأم عينيه هو المسجد المشيد على يد علاء الدين سنة 1314م، حسب ما ورد ذكره فيتاريخ (مدينة هانغتشو)

يحتفظ مسجد تشنجياو (أو العنقاء) بست قطع ونصف من الطوب المنقوش، يرجع تاريخها إلى عهد أسرة سونغ الجنوبية. وهذا النوع من الطوب يبدو على شكل مربع وهو بحجم 42.5سم×42.5سم×4.7سم. ويلاحظ على سطح الطوب آيات قرآنية (92-96 من سورة آل عمران) وعلى سطحه الجانبي نقوش من الكتابات: طوب مصنوع في عهد أسرة سونغ حسب طلب هانغتشو عاصمة البلاد. وتعتبر هذه النقوش من الأدلة الإضافية على تاريخ المسجد.

مسجد توتشغين


مسجد توتشغين هو مسجد يقع في محافظة توتغشين في المنطقة الجبلية الجنوبية بنينغشيا. التي يمثل المسلمون فيها 80% من مجموع سكانها. ويتواجد فيها أكثر من ثلاثمائة مسجد إلا أن جامع تونغشين الواقع في مركز المحافظة هو الأكبر والأقدم من نوعه. بني هذا الجامع في زمن غير معروف. ويعتقد بأن تاريخه يرجع إلى عهد أسرة تشينغ (1644-1911م) على وجه التقريب. وتفيدنا التدوينات التاريخية بأن منطقة نينغشيا قد شهدت انتفاضة مسلحة شارك فيها عشرات الآلاف من الثوريين المسلمين بتأثير من ثورة مملكة السلام السماوية (1853-1864م). وكان جامع توتغشين مقرا لقيادة الثوريين المسلمين بزعامة يانغ شنغ شيانغ، على خط النار. وقد انهدم الجامع بحرائق متعمدة على أيدي القوات المسلحة الحكومية بعد احتلالها مدينة تونغشين سنة 1865 م. وبعد سنين من ذلك قام المسلمون هناك بإعادة بنائه اعتمادا على تبرعاتهم، الأمر الذي جعله يحتفظ بملامحه الأصلية المبدئية. ولكن زخارفه الجديدة أقل روعة من زخارفه الأصلية.




ينتصب الجامع على مصطبة يبلغ ارتفاعها سبعة أمتار، وهي مكسوة بالطوب الأزرق الضارب إلى السمرة. ويبدو الجامع في منتهى المهابة والروعة لارتفاع موقعه. وتفتح بوابته إلى الغرب. وقبالته حاجر زخرفي من الطوب، نقش عليه رسم جميل تحت عنوان "القمر بين أشجار الصنوبر والسرو" وعلى جانبيه عبارتان متوازيتان، إحداهما في تسبيح الله، والثانية في الصلاة على نبيه المصطفى.

مع أن جامع تونغشين أصغر حجما من سائر الجوامع في الصين، إلا أن زخارفه المعمارية لها سماتها الخاصة. فأنت ترى على جملون قاعة الصلاة اليساري مثلا نقوشا دقيقة وممتعة، تُصور أدوات الكتابات الأربع (القلم والحبر والورق والمحبرة) وطقم الشاي وأزهار البرقوق وعود الطيب واللوتس وأشجار الصنوبر والسرو ودالية العنب وشجيرات البامبو وغيرها. أما أبواب قاعة الصلاة ونوافذها الخشبية فهي تسر الناظرين أيضا بما تزهو به من الزخارف الجميلة. من ذلك إن ستة عشر ضلعا من أبواب القاعة المخرمة مميزة بأربعة أنواع الشعريات، مما يجيز لنا القول بأن هذه الأبواب من روائع الصناعات الفنية إلى جانب قيمتها. وذلك يزيد من رونق القاعة إلى حد كبير. ومع أن قاعة الصلاة عتيقة وبسيطة وخالية من الزخارف المبرقشة، إلا أن حسن إضاءتها ونظافتها تشرح الصدور.



ولا يعتبر جامع تونغشين مجرد جامع مفضل للمتعبدين، بل له قيمته الأثرية والثورية، إذ أعلن فيه عن تأسيس حكومة محافظة يوهاي الذاتية الحكم لقومية هوي سنة 1936 م بمساعدة الجيش الحمر للعمال والفلاحين. وما أن تحررت هذه البقعة حتى أدرج الجامع في قائمة أهم الآثار المحمية. ونتيجة لذلك فقد صار في مأمن من التخريب، حتى في هوس الثورة الثقافية. ومنذ تطبيق سياسة الانفتاح على الخارج في الصين استقبل جامع توتغشين عددا كبيرا من البعثات الإسلامية والمسلمين من مختلف البلدان، والذين عبروا عن سرورهم الشديد بنجاته من التخريب الجسيم بأعجوبة.


مسجد نيوجيه ببكين



مسجد نيوجيه من أقدم المساجد في شمالي الصين. وقد بني سنة 996م حسب ما جاء في "تاريخ قانغشانغ". كان هناك عدد من المؤرخين يشكون في صحة ذلك. ولكن ينقصهم البرهان على نفي الأمر. ولذلك فان زمن بناء المسجد السالف الذكر ظل معترفا به على وجه العموم. وتفيدنا المدونات التاريخية ان أحد العرب، ويدعى الشيخ قوام الدين، قد جاء من بلده الى الصين. وكان معه ثلاثة أولاد: ابنه البكر صدر الدين، وابنه الثاني ناصر الدين، وابنه الثالث سعد الدين، وكلهم أذكياء وأكفاء فوق العادة. وكان من طبيعتهم ان عاشوا عيشة الاعتكاف، فلم يستسيغوا أبدا الوظائف التي منحهم إياها البلاط الإمبراطوري. ولذلك فقد انعم على كل منهم بلقب أمام المسلمين حين استوطنوا الصين. أما صدر الدين فقد غادر مقره الى أماكن أخرى لنشر الإسلام، ولم يرجع. وقام سعد الدين ببناء مسجد في دونغقوه (الناحية الشرقية من بكين)، كما قام ناصر الدين ببناء مسجد في ضاحية بكين الجنوبية (أي ناحية نيوجيه اليوم) بأمر من الإمبراطور. وهذا المسجد الأخير هو مسجد نيوجيه اليوم. وقد كان صغير الحجم في بادئ الأمر، ثم اصبح على الصورة التي نراها اليوم بعد توسيع بنائه مرارا في عهد أسرتي مينغ وتشينغ (1368-1911م). وفي سنة 1474م أطلق الإمبراطور عليه اسم "لي باي سي" (دار الصلاة). ولما تم ترميمه سنة 1696م على حساب البلاط الإمبراطوري منح لوحا مكبوبا عليه "دار الصلاة الإمبراطورية".



تبلغ مساحة هذا المسجد حوالي آلاف متر مربع. ومع ان مبانيه لا تختلف عن القصور الكلاسيكية الصينية شكلا وتوزعا إلا أنها مميزة بالزخارف الإسلامية الطراز. أما قاعة الصلاة في المسجد فتواجه الشرق، وهي تشكل مع القاعة المقابلة لها وجناحي المسجد الجنوبي والشمالي دارا مربعة مثالية (أي دار تحيط بها المباني من الجهات الأربع وتتوسطها ساحة رحبة). وأما بوابة المسجد، فهي مفتوحة الى الغرب، وأمامها حاجز طوبي كبير، ووراءها برج لمشاهدة الهلال، سداسي الأضلاع مزدوج الأفاريز. وأمام قاعة الصلاة اثنتان من مقصورات الأنصاب الصخرية، تنتصب إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال. وتبدو مباني المسجد منسجمة متناسقة ومحكمة. فهي مجموعة كاملة من المباني الرائعة. وتتكون قاعة الصلاة من ثلاثة مبان متراصة طولا، وتستغرق خمس فسح عرضا. وهي تغطي مساحة قدرها أكثر من ستمائة متر مربع، وتتسع لقرابة ألف مصل في آن واحد. ولو ألقيت نظرة على القاعة من الخارج، لوجدتها مبنى كلاسيكيا صينيا نموذجيا بما تتميز به من الأفاريز المرفوعة والتركيبات الخشبية الزاهية الألوان، غير ان زخارفها الداخلية إسلامية الطراز تماما. وهي تثير في النفوس شعورا بالمهابة الإجلال. ومحارب قاعة الصلاة مسقوف بمقصورة مسدسة الأضلاع مخروطيةالشكل .. مميزة بالسقف الدائري الملون من عهد أسرة سونغ (960-1279م). وعلى جدرانها الجنوبية والشمالية نوافذ مكونة بالكتابات العربية. وفي قاعة الصلاة ثماني عشرة دعامة واحد وعشرون عقدا. وتظهر على عتبات العقود العليا نقوس من الآيات القرآنية والتسابيح الإلهية والمدائح النبوية القوية الخطوط .. وعلى جنبات الدعامات القرمزية اللون نقوش لزهور النيلوفر المموهة بالذهب، مما يشكل مع الثريات المعلقة في القاعة منظرا فريدا من نوعه. وهو يبهر الأبصار ويبعث على المهابة. وكان لهذه القاعة عيب متمثل في الحرارة الخانقة التي يعاني منها المصلون صيفا والبرد القارص شتاء لشدة قدمها، ولكن هذا العيب قد تم تفاديه بعد تزويدها بأجهزة التهوية منذ سنوات. ولو ذهبت الى الركن الجنوبي الشرقي من المسجد لألفيت نفسك أما مرقدين أخيرين للشيخ احمد البرتاني المتوفى سنة 1280 م والشيخ عماد الدين المتوفى سنة 1283م، وهما من علماء الإسلام العرب الذين جاءوا الى الصين لنشر الإسلام. وتنتصب بجوار هذين الضريحين شاهدتان منقوشتان بكتابات عربية واضحة الخطوط حتى يومنا هذا. وهما في نظر المسلمين المحليين من روائع الآثار الإسلامية.



ومن ضمن محفوظات المسجد لوح منقوش عليه أمر، أعلنه الإمبراطور كانغشي سنة 1694م بخصوص المسلمين. اذ قيل انه لما وجد الحاقدين على الإسلام المسجد مضاء بالأنوار المتألقة في ليالي رمضان، وشي بالمسلمين الى الإمبراطور بدافع التقرب اليه، وزعم قائلا: "ان المسلمين يجتمعون ليلا، ويتفرقون نهار، فيبدو أنهم يستعدون للتمرد". فتوجه الإمبراطور ¨C وهي في بزة مدنية- الى المسجد خفية للتحقق من الأمر. ولكن تبين له ان كل ما ورد في وعظ الإمام هو من التعليم الإسلامية الداعية الى الخير والناهية عن الشر، فما لبث ان أصدر أمرا جاء فيه: "ليكن في علم جميع المقاطعات انه: اذا افترى أحد الموظفين أو الرعايا على المسلمين بالتمرد، متذرعا بذريعة تافهة، فلا بد من معاقبته معاقبة شديدة قبل استشارة القيادة العليا. وليتمسك المسلمون بالإسلام دون السماح لهم بمخالفة أمري هذا ..".



وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949 خصصت الحكومة مبلغا لترميم مسجد نيوجيه ترميما شاملا ولكنه عاني من التخريبات الخطيرة في هوس "الثورة الثقافية"، كما أغلقت أبوابه أكثر من عشر سنوات. وفي سنة 1979 أعيد ترميمه على نطاق واسع. وعبر أكثر من سنة من الإصلاحات الدقيقة تجددت ملامح هذا المسجد العريق كما كانت عليه سابقا.



جامع هواجيويه بمدينة شيآن



كانت شيآن تحمل اسم تشانغآن، وهي عاصمة الصين في عهد أسرة تانغ (618-907م). كما هي بداية طريق الحرير المعروف. ونظرا الى ان الصين وبلاد العرب قد حافظتا على علاقات حسن الجوار بينهما، فقد كانت تشانغآن مقصد أعداد كبيرة من العرب الذين جاءوا للتجارة أو للاستيطان. ويضاف الى ذلك ان جماعة من أهل الشيعة الهاربين من اضطهاد الأمويين، وجماعة من المسلمين العرب العسكريين الذين عاونوا أسرة تانغ في الإطاحة بعصيان آن لو شان، قد استوطنوا هذه المدينة. وقد عرفنا من المصادر العربية ان إمبراطور الصين لي يوي من أسرة تانغ قد بنى مسجدا في المدينة سنة 762م، مما أتاح للجاليات العربية الإسلامية ان يمارسوا عاداتهم. ومع ان هذه الحادثة غير مذكورة في المصادر الصينية، إلا ان وقوعها مكن تماما حسب الأحوال آنذاك.



وفي شيآن اليوم بضعة عشر مسجدا وجامعا. ولكن جامع "هواجيويه" (التوعية) هو الأكبر من نوعه حجما. وقد سمي هذا الاسم لوقوعه في زقاق هواجيويه غربي برج الطبول بالمدينة وترى في الجامع أعداد كبيرة من الأنصاب الحجرية، ولكن تاريخ بنائه الوارد فيها متعدد. فقد صار من الصعوبة بمكان تمييز الصحيح من الخاطئ. وارجح الظن ان الأنصاب الخاصة بجامع هواجيويه قد التبست بمثيلاتها الخاصة بالجوامع الأخرى التي طواها الزمان، واختلطت اختلاط الحابل بالنابل بعد نقل أنصابها الى هذا الجامع اعتزازا بالآثار الإسلامية. ومن جراء ذلك صعب على المرء تمييز أنصاب جامع هواجيويه من أنصاب الجوامع البائدة مع مرور الأيام.



وتقول الكتابات المنقوشة على أحد الأنصاب الحجرية الذي ظهر سنة 1405م إن الحاج ساي ¨C وهو من ذرية السيد شمس الدين من الجبل السابع ¨C قد أمر سنة 1392م بإعلان الأمر الإمبراطوري التالي: "لقد تقررت مكافأة كل أسرة من المسلمين بخمسين سبيكة من الفضة ومائة حزمة من الحرير، وإيوائهم في مكانين، وبناء مسجدين لهم، يكون أحدها في شارع سانشان بمدينة نانجينغ، والآخر في زقاق تسيوو بمحافظة تشانغآن، ويجوز لهم إعادة بنائهما إذا تهدما. ولا يسمح لأحد بالوقوف في وجه هذا الأمر .." وقد قيل ان المسجد في زقاق تسيوو الوارد في هذا الأمر الإمبراطوري هو سلف جامع هواجيويه اليوم. ولكن فريقا من المؤرخين رأوا ان الاستنتاج على هذاالنحو غير سليم، بحجة ان زقاق تسيوو المذكور في الأمر الإمبراطوري غير معروف موقعه حتى الآن، فلا يمكن اعتباره زقاق هواجيويه اعتباطا في أي حال من الأحوال. زد على ذلك ان مساحة مسجد تسيوو الملاحظة على قفا النصب الحجري لا تمثل إلا ثلث مساحة جامع هواجيويه اليوم. ومع ذلك فان أصحاب المقولة الأولى لم يقتنعوا بهاتين الحجتين، اذ رأوا من جهة ان تغيير أسماء الشوارع والمدن ليس شاذا في التاريخ، واعتقدوا من جهة أخرى بأن إمكانية ازدياد مساحة أي مسجد في مجرى توسيع بنائه لا يمكن إبعادها. وعلى الرغم من ان المسألة المتعلقة بتاريخ بناء جامع هواجيويه ما زالت موضع جدل، إلا أن أغلبية المؤرخين يقولون ان تاريخه يرجع الى أوائل عهد أسرة مينغ (1368-1644م.(



يبدو جامع هواجيويه على شكل مستطيل. وتبلغ مساحته ثلاثة عشر ألف متر مربع. وهو يشبه القصر الإمبراطوري الصيني بضخامة بنائه وروعة هندسته. فلا يعتبر من أكبر الجوامع في الصين فحسب، بل يعد من كنوز الفن المعماري الصيني. ويتكون هذا الجامع من أربع دور متراصة، تتوزع فيها أربع وثمانون غرفة من المباني الرئيسية والإضافية توزعا متناسقا، مما يشكل مجموعة كاملة من البنايات. وللدار الأولى بوابتان جانبيتان، تواجه إحداهما الجنوب، بينما تواجه الأخرى الشمال. وتجد في موقع بوابة الجامع حاجزا زخرفيا من الطوب، ارتفاعه أكثر من عشرة أمتار، وعرضه عشرون مترا. والى الداخل من الحاجز الزخرفي يقوم قوس خشبي منقوش جيدا. وهو يواجه قاعة مرور مؤدية الى الدار الثانية التي ينتصب فيها قوس ومقصورتان لاستيعاب الأنصاب الحجرية، تقع إحداهما يمينا، وتقع الأخرى شمالا. وللدار الثانية بوابتان أيضا، شأنها شأن الدار الأولى. وهناك قاعة مرور مؤدية الى الدار الثالثة التي ينتصب في صدارتها برج شاهق معروف باسم "شينغشين" (تهذيب النفس)، وعلى جانبيها جناحان جنوبي وشمالي. ولو دخلت في الدار الرابع، للفت نظرك "جوسق العنقاء" الخماسي الأقسام الرائع الهندسة. وهو يواجه قاعة الصلاة الضخمة والبعيدة عنه، مما يرمز الى "مواجهة العنقاوات الخمس للشمس". أما قاعة الصلاة فتستوعب ألف مصل في آن واحد. وهي صفوة مباني الجامع برمتها. كما هي مرآة الفن الزخرفي المسجدي في المناطق الداخلية من الصين. وعلى جدرانها نقوش خشبية من الكتابات العربية والأزهار الجميلة، تعطي مع أبوابها وشبابيكها الدقيقة النقش منظرا خلابا. ويتكون سقف القاعة مما يزيد عن ستمائة قطعة من المربعات الملونة، وفي صدارة كل منها كتابات عربية تحيط بها الرسوم الصينية التقليدية من كل الجهات وأشد ما يلفت النظر هناك مقصورة المحراب وراء عمودين بلون قرمزي، نقشا بكتابات عربية مموهة بالذهب، إضافة الى ان المربعات الخشبية في أعلى العمودين المذكورين آنفا وعتبة المقصورة العليا ومتدلياتها الخشبية مطعمة بزخارف من كافة الألوان. والمحراب البادي على شكل عقد مخمس ليس مزخرفا بالكتابات العربية فحسب، بل يزدان بالرسوم الصينية الطراز. ويعتبر ذلك خير خليط بين الفن الزخرفي الإسلامي ونظيره التقليدي الصيني. وأمام قاعة الصلاة رصيف فسيح محاط بالدرابزونات الصخرية المخرمة الشهيرة بدقة نقوشها. وتجد في الركن الجنوبيالشرقي من الرصيف صخرة غربية مثلثة الشكل على نحو غير منتظم، قيل إنها محك لنزاهة الموظفين والمسؤولين. فإذا دق أي موظف نزه المسمار عليها تسمر فورا. والطريف ان على سطحها أكثر من مائة مسمار، تنتصب تمام الانتصاب. وفي الركن الشمالي من الرصيف صخرة سميت "الفأرة البيضاء" لأنها تبدو كفأرة بيضاء حية عند النظر إليها عن بعد. كما ان في ركن الرصيف الشمالي الشرقي ساعة شمسية مصنوعة من لوح حجري مستطيل، وفي وسط سطحه حفرة مستطيلة لإثبات المزولة. وبالإضافة الى ذلك ترى على سطع اللوح الحجري ثلاثة صفوف من الثقوب المستطيلة، تستعمل في معرفة الوقت حسب الظلال التي ترميها المزولة عليها. وجدير بالذكر ان اللوح الحجري مثبت على قاعة صخرية مرتفعة اكثر من متر تحته، فهو قابل للتكييف حسب الحاجة. وتفيدنا مدونات الفلكي الصيني الكبير مي دينغ جيو (1638-1721م) بأن المساجد الصينية جميعها آنذاك كانت تزهو بالساعات الشمسية المماثلة لها. ولكن ما بقي منها حتى الآن نادر جدا
.



وبفضل ضخامة مباني جامع هواجيويه وكثرة آثاره التاريخية فقد أدرج في قائمة أهم الآثار المحمية إلى نطاق البلاد، كما اصبح مزارا هاما يرتاده السائحون الذين يقصدون شيآن للمرة الأولى. وبعد ان قامت الصين بتطبيق سياسة الانفتاح على الخارج، توارد الى جامع هواجيويه جماعات وجماعات من الضيوف الأجانب مظهرين إعجابهم الشديد به. كان من بينهم رؤساء دول وحكومات وموظفون كبار كثيرون. ولما قام السيد فهمي هويدى أحد العلماء العرب المرموقين بزيارة جامع هواجيويه عام 1980 قال متعجبا: " إنها لمفاجأة حقا ان يكون هذا الجامع الصيني بهذه الفخامة، وان يكون المصلون فيه بهذا الحجم الكبير. والأهم من ذلك ان اكثر المصلين من الشباب، وهذه هي المفاجأة الكبيرة." وكفى بتعليقاته هذه دليلا على عظمة هذا الجامع العريق، وعلى احتفاظه بالازدهار الدائم على كر العصور



جامع توتغشين في نينغشيا



تقع محافظة توتغشين في المنطقة الجبلية الجنوبية بنينغشيا. ويمثل المسلمون فيها 80% من مجموع سكانها. ويتواجد اليوم فيها أكثر من ثلاثمائة مسجد، علما بأن جامع تونغشين الواقع في المركز المحافظة هو الأكبر والأقدم من نوعه. وقد بني هذا الجامع في زمن غير معروف. ويعتقد بأن تاريخه يرجع الى عهد أسرة تشينغ (1644-1911م) على وجه التقريب. وتفيدنا التدوينات التاريخية بأن منطقة نينغشيا قد شهدت انتفاضة مسلحة شارك فيها عشرات الآلاف من الثوريين المسلمين بتأثير من ثورة مملكة السلام السماوية (1853-1864م). وكان جامع توتغشين مقرا لقيادة الثوريين المسلمين بزعامة يانغ شنغ شيانغ، على خط النار. وقد انهدم الجامع بحرائق متعمدة على أيدي القوات المسلحة الحكومية بعد احتلالها مدينة تونغشين سنة 1865م. وبعد أربعين من ذلك قام المسلمون هناك بإعادة بنائه اعتمادا على تبرعاتهم، الأمر الذي جعله يحتفظ بملامحه الأصلية المبدئية. ولكن زخارفه الجديدة اقل روعة من زخارفه الأصلية.



ينتصب الجامع على مصطبة يبلغ ارتفاعها سبعة أمتار، وهي مكسوة بالطوب الأزرق الضارب الى السمرة. ويبدو الجامع في منتهى المهابة والروعة لارتفاع موقعه. وتفتح بوابته الى الغرب. وقبالته حاجر زخرفي من الطوب، نقش عليه رسم جميل تحت عنوان "القمر بين أشجار الصنوبر والسرو" وعلى جانبيه عبارتان متوازيتان، إحداهما في تسبيح الله، والثانية في الصلاة على نبيه المصطفى.



ومع ان جامع تونغشين أصغر حجما من سائر الجوامع في الصين، إلا أن زخارفها المعمارية لها سماتها الخاصة. فأنت ترى على جملون قاعة الصلاة اليساري مثلا نقوشا دقيقة وممتعة، تصور أدوات الكتابات الأربع (القلم والحبر والورق والمحبرة) وطقم الشاي وأزهار البرقوق وعود الصليب واللوطس وأشجار الصنوبر والسرو ودالية العنب وشجيرات البامبو ..الخ. أما أبواب قاعة الصلاة ونوافذها الخشبية فهي تسر الناظرين أيضا بما تزهو به من الزخارف الجميلة. من ذلك ان ستة عشر ضلعا من أبواب القاعة المخرمة مميزة بأربعة أنواع الشعريات، مما يجيز لنا القول بأن هذه الأبواب من روائع الصناعات الفنية الى جانب قيمتها الاستعمالية. وذلك يزيد من رونق القاعة الى حد كبير. ومع ان قاعة الصلاة عتيقة وبسيطة وخالية من الزخارف المبرقشة ، إلا ان حسن إضاءتها ونظافتها تشرح الصدور. يعتبر جامع تونغشين مجرد متعبد مفضل للعابدين، بل له قيمته الأثرية الثورية، إذ أعلن فيه عن تأسيس حكومة محافظة يوهاي الذاتية الحكم لقومية هوي سنة 1936 بمساعدة الجيش الحمر للعمال والفلاحين. وما ان تحررت هذه البقعة حتى أدرج الجامع في قائمة أهم الآثار المحمية. ونتيجة لذلك فقد صار في مأمن من التخريب، حتى في هوس "الثورة الثقافية". ومنذ تطبيق سياسة الانفتاح على الخارج في الصين استقبل جامع توتغشين عددا كبيرا من البعثات الإسلامية والأخوة المسلمين من مختلف البلدان، والذين عبروا عن سرورهم الشديد بنجاته من التخريب الجسيم بأعجوبة...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: عدة مواقع من أهمها موقع وزارة الإعلام الصينية



هناك تعليقان (2):

s يقول...

الله يادكتور فى زوقك فى اختيار الموضوعات

د.محمد الشافعي يقول...

الله يبارك فيكي يا S أنتي اللي كلك ذوق
وشكراً علي حجرصك علي التعليق