2008-02-21

حمص

تقع حمص في القسم الأوسط من سوريا، ويمر بها نهر العاصي، تقع في الطريق بين دمشق وحلب، وتعتبر ثالث أهم مدينة من حيث السكان والأهمية بعد دمشق وحلب، تبلغ مساحتها 42218كم، تعتبر سوقاً مهما ومركزاً للزراعة خاصة (الحبوب-الخضار-القطن-الشمندر السكري) ومركزاً صناعياً (خاصة صناعة المنسوجات) كما يوجد بها مصفاة للنفط. كما كانت المحطة الثالثة على طريق الحرير.

تاريخ مدينة حمص
تعاقب على هذه المدينة (الأموريون- الحيثيون- الفينقيون- الأراميون- اليونان والرومان- العرب- الأتراك)..
منشأ هذه المدينة يعود إلى النصف الثاني للألف الثالثة قبل الميلاد، وكان اسمها في ذلك الوقت (حماة صوبا) وقد ورد في وثائق (ايبلا)، وكان سكانها من الأموريين، وكان اسمها في عهد الرومان (اميسيا-ايميزا) وكانت مستعمرة رومانية هامة. وسماها المصريون (خورو).

من أبرز العصور الواضحة التاريخ في تاريخ حمص هو العصر (السلوقي) متمثلة في قبيلة (شمسيغرام) أو سمسيغرام التي انتزعت السلطة من أيدي السلوقيين عام 96م واتخذت مدينة (الرستن) مقراً لها، ولهذا العصر يعود انشاء (بحيرة قطينة) الاصطناعية عن طريق تشييد سد هدفه تجميع مياه العاصي والأمطار ليسهل التصرف بها، كما يعود بناء (صومعة حمص) أيضا لهذا العصر. وجدير بالذكر أنه عند (حمص) هزمت الملكة (زنوبيا) على يد أورليان في 272م.

أما خلال عصر الأباطرة السوريين والذي كان من أشهرهم (باسيانوس) حاكم حمص، كانت لديه الابنة الجميلة المثقفة الذكية (جوليا دومنا)، وما إن مر القائد الروماني (سبتيموس سفيروس- والذي حكم روما 193-211م) ورآها فأحبها وتزوجها وأنجبوا ثلاث حكام هو (كاراكاللا – هليوغابلوس-الكسندر سيفيروس) وفي عهده (سبتيموس) بدأ حكم الأباطرة السوريين وجعل من حمص عاصمة لسوريا واعتنى بها وأعلى من شأنها وهكذا فعل كل من جاء من نسله، ويقال انه بهذا الزواج وحتى الآن تتمتع نساء حمص بالذكاء والجمال الذي لا يعادلهن فيه إلا نساء (جبل العرب).
ومن الشخصيات الهامة التي ولدت بحمص في هذا العصر الفيلسوف (لونجينيوس) مستشار الملكة (زنوبيا) )ملكة تدمر).

وفي العصر المسيحي، تحكي القصص والروايات أن (بطرس الرسول و يوحنا الانجيلي) مرا بحمص واستضافهما فلاح اسمه (كريسوموس) لثلاثة أيام، وقد أمن هذا الفلاح بالمسيحية وأقيمت مكان بيته (كنيسة بربارا- أول كنيسة)، ومن ثم غدت (حمص) ذات مكانة مهمة في الدولة البيزنطية المسيحية منذ القرن الخامس الميلادي، وانتشرت بها الكنائس، كما بنت فيها الامبراطورة (هيلانة- والدة الامبراطور قسطنطين الكبير) سنة 326 كنيسة (القديسة هيلانة- قال فيها /المسعودي: في كتابه -مروج الذهب- “أنها من عجائب الدنيا” ) و(الكنيسة الكبرى- يقال أن رأس القديس يوحنا المعمدان نقل إليها بعد اكتشافه مدفونا في كهف سنة 453 ثم نقل بعدها الى القسطنطينية في القرن التاسع الميلادي) وهي من أكبر الكنائس بسوريا كلها في العهد البيزنطي المسيحي.
وكثير من الآثار المسيحية ضاع واندثر مع الزلازل التي تعاقبت على حمص، وتبقى منها كنيسة (مار إليان) والتي تعود إلى القرن السادس الميلادي، وكنيسة ( أم الزنار) التي ترجع الى القرن الرابع الميلادي وقد جددت.

كنيسة مار إليان

كنيسة أم الزنار

من داخل كنيسة ام الزنار

مطرانية السريان الكاثوليك وهي بناء من الحجر البازلتي الأسودمطرانية السريان الكاثوليك

وقد ذكر المؤرخ (شمس الدين الدمشقي) أنه لايوجد دار في حمص إلا وتحتها مغارة أو مغارتين، وماء ينبع للشرب وهي مدينة فوق مدينة.

العصر الإسلامي، دخل أبو عبيدة بن الجراح حمص سلما وصالح أهلها 636م وترك الكنائس إلا نصف كنيسة (يوحنا- التي هي أصلا أخذت مكان معبد الشمس الكبير بالمدينة) وبنى مسجد على هذا النصف من الأرض ثم تهدم واشترى الملك الزنكي محمد نور الدين الشهيد باقي الأرض وبنى الجامع النوري الكبير.
عانت حمص أيام العباسيين كثيرا، لاندلاع الكثير من الثورات وتعاقب الكثير من الأقوام على احتلالها، وفي عصر المماليك مر عليها الملك التتاري (تيمورلنك) ولم يدمرها حرمة لرفاة الصحابي خالد بن الوليد.
كما شهدت حمص سنة 1281م معركة مهمة بين السلطان قلاوون والمغول وفيها انتصر المسلمون وهي معركة (الخزندار).

من الآثار الإسلامية أيضا: جامع الدالاتي، وجامع الخليفة عمر بن عبد العزيز وفيه قبره، ومسجد أبي ذر الغفاري، وجامع خالد بن الوليد وفيه ضريحه. وفيها كثير من المقامات مثل مقام أبو الهول، مقام أبو موسى الأشعري- والذي شيد في العصر العثماني، والصحابي عمروبن عنبسة ومقام النبي هود والصحابي العرباط بن سارية في الحولة ومقام أولاد جعفر الطيار- وهو مملوكي، والجدير بالذكر أن الكثير من الصحابة انتقل إلى حمص بعد الفتح الإسلامي ويقال أن العدد وصل إلى خمسمائة صحابي.

أشهر المساجد بحمص هي:
الجامع النوري الكبير
الجامع النوري الكبير ومدخله
ويعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر للميلاد، وهو الجامع المميز بمدخله الجميل، وقد كان في البدء موقع معبد الشمس الوثني (معبد بعل) ثم بني مكانه كنيسة القديس يوحنا ثم اخذ نصفها لبناء المسجد الأول بعد الفتح الاسلامي، ثم تهدم فاشترى بقية الأرض الملك الزنكي محمد نور الدين وبناه (على شكله الحالي منذ بناه سنة 1129م) واعتنى به وصار تحفة معمارية وسمي بالجامع النوري الكبير، ويقال أن الأعمدة المستخدمة في بناء المسجد من أقدم المواد الأثرية بالمدينة.

جامع خالد بن الوليد
جامع خالد بن الوليد

جامع خالد بن الوليد
شيده السلطان عبد الحميد على أنقاض جامع مملوكي، وبه ضريح الصحابي الجليل خالد بن الوليد الذي توفى بحمص سنة 641م، ويشتهر بقببه المعدنية الضخمة التي تعكس ضوء الشمس ويتميز بمئذنتيه المرتفعتين، والمبنيتين بالحجر الأبيض، وهو بناء مهم دال على فن العمارة الإسلامية والسورية بحمص وسوريا، ففيه تصتف الحجارة البيضاء مع السوداء أفقيا بطريقة فنية مدهشة، ويعود هذا البناء بشكله الحالي إلى العهد العثماني قبل الحرب العالمية الأولى، وتنتشر حوله الحمامات الشهيرة (منها حمام الصغير وحمام العصياتي وحمام الشهاب والحمام العثماني) والعديد من الأسواق والخانات القديمة.

* أصيبت حمص بزلزالين مدمرين في 1307 و1127م دمرا الكثير من الآثار المسيحية والإسلامية والكثير من معالم المدينة القديمة.

أبواب وأسوار حمص:
كانت حمص مسورة (عند الفتح الإسلامي) بأربعة أبواب هي: باب (الرستن- الشام- الجبل- الصغير)، ويقع باب الرستن (أو السوق) عند الزاوية الشمالية الغربية للجامع النوري الكبير، وباب الشام هو باب (الدريب أو باب السباع).
ثم في عهد (المنصور إبراهيم) أصبحوا سبعة أبواب: (السوق/الرستن وقد زال في نهاية القرن الماضي- باب تدمر- باب الدريب- باب السباع/ وهو الذي يقع شرق القلعة ويفضي إلى المدينة القديمة- باب التركمان/ يقع عند الزاوية الشمالية الغربية للقلعة- باب المسدود/ يقع على شمال باب التركمان وعليه كتابة تشير إلى تاريخه في عهد المنصور إبراهيم 1239/1246م- باب هود/ الذي لم يبق منه سوى بعض المداميك وبالقرب منه مقام النبي هود).

قلعة حمص/ قلعة الحصن:
قلعة حمص/ الحصن
منظر من على القلعة
قلعة الحصن

تقع معالم هذه القلعة الأثرية على تلة طبيعية، إلى الجنوب الغربي من مدينة حمص(تبعد عنها حوالي 60كم)، وقد لعبت هذه القلعة دورا هاما في تاريخ المدينة، وتعد من القلاع الجيدة التحصين والنموذجية في بناءها وتحقيق الغرض منها ألا وهو الحماية، أول من أنشأها (بنو مرداس) سنة 1031م واستكمل البناء فيها سنة 1109م فأعيد بناء أبراجها، ورممت بعد الزلازل التي تعاقبت عليها، حاصرها نور الدين وصلاح الدين، ثم حررها الملك الظاهر بيبرس 1271م، ثم أمر بتجديد القلعة وبنى فيها برجين، ثم أنشأ قلاوون البرج المستطيل، ومنذ عام 1972 تم إخلاء القلعة من سكان القرية المجاورة وأصبحت مزاراً سياحياً بعد أن تم ترميمها، وقد كان يحيط بهذه القلعة خندق، لا زالت معالمه باقية.
وهي مكونة من حصنين:
- الحصن الداخلي: هو قلعة يحيط بها خندق يفصلها عن السور الخارجي، لها بوابة رئيسية تتصل بباب القلعة، ولهذا الحصن ثلاثة أبواب مفتوحة على الخندق، تمتاز بأبراجها العالية، والخندق المحيط بها محفور في الصخر.
- والحصن الخارجي: وهو السور الخارجي للقلعةن وهو أيضا حصن قائم بذاته، ومزود ب13 برجا منها الدائري والمربع والمستطيل.

متحف حمص:
متحف حمص
بعض من محتوياته
معروضاته
من معروضاته
وقد كان قبل المتحف عبارة عن دار البلدية القديمة والتي تحولت إلى المتحف، يحتوي متحف على آثار عديدة، تعود إلى العصر اليوناني والروماني والبيزنطي ، والعهود العربية.

الدياميس/ الكاتاكومب
من الآثار القديمة التي أكتشفت بحمص ويرجع اسمها (الكاتاكومب) إلى القديس كاتاكومبوس، وهي عبارة عن كهوف تحت الأرض كان يمارس فيها المسيحيون ديانتهم بعيداً عن عيون السلطة الرومانية الوثنية، وقد اكتشفت سنة 1960م في حي الشرفة وحي تدمر ن وقد زينت بعض جرانها بألواح الفسيفساء الجميلة.

بحيرة حمص:
بحيرة حمص
تبعد بحيرة حمص (بحيرة قطينة أو قادش) مسافة 15 كم عن مدينة حمص، وهي بحيرة غنية بالأسماك، ولها سد يحتجز المياه التي تستخدم في الزراعة، ويعود بناء هذا السد إلى القرن الثاني قبل الميلاد.

تل النبي مند (قادش)
عبارة عن تل اثري هام يعرف باسم (تل النبي مند) (مدينة قادش القديمة) بالقرب من بحيرة حمص -التي وقعت بقربها (معركة قادش) الشهيرة في التاريخ بين الحثيين والمصريين، في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.

أسواق مدينة حمص:
اسواق حمص القديمة
سوق الدبلان
تقريبا تقع في القسم القديم من المدينة، ترجع تواريخ نشأة هذه الأسواق إلى العهود (الأيوبية والمملوكية والعثمانية)، مثل سوق (الدبلان)، تشتهر تلك الأسواق بالحرائر والجلابيات الرجالية والنحاسيات والأقمشة المطرزة.
كما تحولت بعض المساكن القديمة إلى متاحف للتقاليد الشعبية مثل (قصر الزهراوي).

المساكن القديمة

من أبرزها قصر الزهراوي، قصر مفيد الأمين، قصر عبدالله فركوح، وبيت آل نسيم. ومعظم جدرانها الخارجية من الحجر الأسود الأصم وسقوفها من العقود الحجرية والتراب أو من الخشب والطين.

ومن المعالم الهامة في مدينة حمص:
مصفاة حمص

مدينة الرستن

مدينة الرستن

مرمريتا

مرمريتا

الزويتية

حوض العاصي

حوض العاصي

وأخيرا فإن حمص مدينة جميلة سياحية بسبب موقعها المتوسط بين مدن سوريا وبما فيها من معالم وآثار ومنتجعات خضراء، وجمال مناخها، وكما أن مجاورتها لنهر العاصي والبحيرة أعطاها سحراً وجمالاً لابد من زيارته، وهي المدينة التي استخدم في مبانيها القديمة الحجر الأسود بكثرة فصارت تعرف (بأم الحجارة السوداء).
وتعرف حمص بجمال أهلها وذكائهم الحاد وطيبتهم وحبهم للفكاهة.

كما أن المطبخ السوري الحمصي مشهور بأكلاته الفريدة من نوعها ونذكر منها:

الحلاوة الحمصية: وهي نوع من الحلويات يصنع من عجينة الجبن المحلاة, ويحشى بالقشطة البلدية, ويزين بالقستق الحلبي, ويرافقه مخلوط من السكر و السمن العربي.
مجدرة العدس بالبرغل: وهو عدس حب مطبوخ مع البرغل ومطهي بالزيت.
يخنة الفول الأخضر باللحم: وهو فول أخضر صغير, يطبخ مع القشر ويضاف اليه لحم الغنم المفروم.

وفي النهاية هي مدينة من المدن السياحية التي يجدر بنا زيارتها، فهي مدينة لا تنسى.

ليست هناك تعليقات: