2025-03-03

التمثيل مهنة من لا مهنة له



دكتور محمد الشافعي 

لطالما كانت الفنون، بأشكالها المختلفة، وسيلة للتعبير والتسلية، غير أنني أجد نفسي حائرًا أمام التضخيم المبالغ فيه الذي حظي به أهل التمثيل والغناء، حتى غدوا في أعين الناس أشباه آلهة، يسبحون بحمدهم وينحنون إعجابًا أمامهم. وهنا، أجدني مدفوعًا بقوة القلم إلى الوقوف عند هذه الظاهرة التي، في جوهرها، لا تعدو كونها خدعة بصرية صنعتها الأضواء والشاشات.

الممثل والفنان، في حقيقته، ليس سوى مؤدٍ لدور، يغير ملامحه ويتقمص شخصيات مختلفة لإضحاك الجمهور أو إلهامهم، لكنه لا يصنع شيئًا جوهريًا يبقى أثره خالدًا في مسيرة الحضارة. فكيف استحق هؤلاء أن يُنزلوا منزلة العظماء والعلماء والمفكرين؟ كيف تسللت إلى قاموسنا ألقاب مثل "النجم" و"الأسطورة"، بل وحتى اللقب الأكثر غرابة وإثارة للسخط: "معبودة الجماهير"؟ أليس في ذلك انتقاص للعقل، وتجاوز لمفاهيمنا الدينية التي توجب أن تكون العبادة لله وحده، لا شريك له؟

من المفارقات العجيبة أن نجوم السينما والغناء يحصدون من الأموال ما يفوق ما يجنيه عالم أفنى حياته في اكتشاف علم ينفع البشرية، أو طبيب يسهر الليالي ليخفف من آلام المرضى. هذا الغبن الصارخ في توزيع الثروة يعكس خللًا في ميزان القيم الإنسانية، حيث يُكافَأ التمثيل، وهو محض محاكاة زائفة للحياة، بينما يُهمل الإبداع الحقيقي والجهد الصادق في خدمة البشرية.

إن نظرة متفحصة لحياة أولئك "النجوم" تكشف زيف الصورة التي يرسمها لهم الإعلام. فهم يعيشون حياة مزيفة، يصطنعون الابتسامات، ويخفون خلف الأضواء معاناة وانحطاطًا أخلاقيًا لا يراه الجمهور، ومع ذلك، لا يزال الناس ينساقون وراءهم كأنهم منارات تُهتدى بها، بدلًا من أن يقتدوا بالعلماء والمصلحين الذين يحملون مشاعل النور الحقيقي.

ليس في الأمر إنكارٌ مطلق لدور الفن في الترفيه وإيصال الرسائل، ولكن المشكلة تكمن في تحويله إلى سلطة تهيمن على العقول والمجتمعات، وتمجيد أبطاله إلى حد التقديس. إن تقدير الإنسان يجب أن يكون بناءً على ما يقدمه من فائدة حقيقية، لا على عدد الأضواء التي تسلط عليه أو صخب الجماهير التي تهتف باسمه.

إننا بحاجة إلى إعادة ضبط البوصلة، وإلى أن نمنح التقدير لمن يستحقه حقًا، لا لمن وهبته الأضواء بريقًا مزيفًا لا يعكس جوهرًا حقيقيًا. فالعلماء، والمفكرون، والمصلحون، هم النجوم الحقيقية، ولو لم يتصدروا أغلفة المجلات أو يتراقصوا على خشبات المسارح.

ليست هناك تعليقات: