2013-01-01

د.منى النموري...الاسم: شعب.. المهنة: مجاميع



د.منى النموري...الاسم: شعب.. المهنة: مجاميع
 ـــــــــــــــــــــــــ
في معظم الأفلام يستعين المخرج بالعديد من الكومبارس كخلفية لمشاهد الشوارع، الحروب، القهوة، ويسمونهم مجاميع، غالباً يطلبون منهم التقدم من ناحية لأخرى، عبور الشارع ، التصرف بطبيعية وكأنهم في قهوة وهكذا، لا يمكن أن تميز منهم أحداً لأن دورهم هو هذا على وجه التحديد، أن يخدموا كأعداد وليس كأفراد وأن ينفذوا إرادة المخرج بالضبط بلا زيادة أو نقصان.
وبالطبع تزيد خطورة المجاميع عند زيادة عددها فمثلاً أتخيل أن الأعداد الكبيرة التي يستعين بها المخرج في فيلم تاريخي مزعجة لأنه لابد من السيطرة عليها فلا تقوم بأكثر مما هو مطلوب منها ولا يختل التوازن مطلقاً ولهذا كنا نرى في كواليس الأفلام المخرج او مساعده يسيطرون على الجماهير بمكبر صوت عالي لإعطائهم أوامر التحرك. لكن ماذا يحدث لو قامت المجاميع بما لم يطلبه المخرج، وأمعنت فيه بكتابة دور آخر؟ بل وظهر لها قائد؟ 
هذه مجرد صورة تلح على ذهني من فترة وأحاول ان أفهمها عن طريق توسيع أبعادها فيكون بدلاً من الأستوديو لدينا البلد بحالها وبدلاً من المخرج لدينا مجموعة حاكمة نعرف بعضها وبعضها لا نعرفه و المجاميع هي الشعب كله، لكنه مقسم لمجموعات ولكلِ دوره المرسوم، فالبعض يمتاز ببعض المهارات فيمكنه أن يقول بضعة كلمات هنا وهناك، والبعض يجيد حركات الأكشن فتٌسند له الخناقات والبعض لا حول له ولا قوة يروح يميناً أو شمالاً والقلة تحلم دائماً بدور البطل وهذه إما يتم تصعيدها أو طردها من الفيلم لخطورتها.
حاولوا أن تفكروا معي في هذه الصورة، أليس هذا ما حدث في 25 يناير 2011 حين خرجت الجماهير عن دورها المرسوم وبدأت تنفذ أدوار لم يرسمها لها المخرج؟ وهو أيضاً ما أربك النظام لأنه لم يصدق أن الجماهير المطيعة قد خربت الفيلم الجميل .لكن بالطبع لم يكن للمجاميع وقتها لا دور بديل تمشى عليه ولا قائد يوجهها فبعد أن ارتجلت بعبقرية لمدة 18 يوم، ودت أن تعود للفيلم القديم؟ لا توافقون؟ كنتم في التحرير وترفضون هذه الصورة السلبية؟ لا تنزعجوا ..صححونى. لم أفكر هكذا من قبل، ربما هو كضاد الإكتئاب اللعين! أنا فقط أحاول أن أفهم تلك الصورة المزعجة التي تلح على ذهني. 
الفيلم يتغير قليلاً بتغير الظروف والمخرجين بينما الدور المرسوم للمجاميع لا يزال كما هو. وحديثاً نشطت أدوار المجاميع بعد البدء في فيلم كبير بعنوان "ديموقراطية" وهو فيلم إنتاج عالمي ببطولة مصرية صميمة، فقط لا يوجد دوبليرات في الفيلم، البطل الذي يموت لا يعود، ولا توجد خدع سينيمائية فالحرائق والمجازر والمعارك كلها حقيقية .والمجاميع تلعب دوراً أعظم من ذى قبل. ولن أستدعى أحداث الفيلم القديمة، تكفينا الأسابيع القليلة منه، فمن الاستفتاء على الدستور والذي لعبت فيه الجماهير الدور الأعظم لإنجاح الفيلم والمخرج والمنتج على حسابها الشخصي سواءِ وعت هذا أم لم تع، إلى تصريحات د.عصام العريان الأخيرة التي نلعب فيها دورنا الآن أيضاً. أذكركم أن المجاميع ليست مجموعة واحدة ولا الدور المرسوم واحد. فالدور العظيم المتكرر الذي تلعبه الجماهير البسيطة الرقيقة الحال،تلك التي اغتالتها كل الأنظمة على مدار العقود فاغتالت شرفها وطمست على عقولها واستهلكت أجسامها في العمل والمرض والقهر والجريمة شئ ، والدور المفترض أن تلعبه مجاميع أخرى من المتعلمين وبقايا الطبقة الوسطي والمثقفين شئ آخر.فمثلا على المجموعة الأولى أن تخرج لتقول نعم للدستور تحت ضغط سحر الاستقرار والرشاوى المالية والغذائية أو الدين بينما المجموعة الثانية الأكثر وعياً عليها أن تتفاعل مع حوادث أعقد مثل تصريحات العريان عن ترحيب مصر بعودة اليهود الذين هاجروا من مصر قبيل وأثناء إنشاء الدولة الإسرائيلية في 1948. وإذا ركزنا على المجموعة الثانية الآن على اعتبار أن الأولى في راحة غذاء سنجد أن تصريحات العريان ستُكتب في التاريخ كموازِ لوعد بلفور وستشتعل المصريين وقت لا بأس له في الغضب و الاستياء والبحث والتمحيص واستدعاء التاريخ والكتابة والنشر والخلافات مع الأهل والأصحاب والجيران. وتلهيهم هذه التصريحات عن القضايا الأساسية، وهى إن كانت تصريحات مسئولة وسياسية فهناك اختيارين إما أن تكون حقيقية وعن قناعة وهو بالشيئ الغريب لأن النظام الحالي كثيراً ما طنطن "بخيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود" وهو نظام على أرض الواقع لايحترم الآخر القريب منه حتى يحترم الآآآآآآآآخخخخخخخخخرررررررر البعيد عنه وعنا والكريه له ولنا، أو أن تكون تنفيذاً لمخطط ما يشتمل على مصلحة فلسطين وأمريكا وإسرائيل والإخوان ولا علاقة له بمصلحة مصر ولا المصريين ، أو أن تكون التصريحات أيضاً صحيحة وسياسية لكن المقصود بها أن تريح الجماعة أمريكا وتظهر حسن النوايا ثم تتولى المجاميع المصرية الرد بمظاهرات جماهيرية ضد التصريحات واستياء عام من طبقة المثقفين والكتاب ومستخدمي الفيسبوك ومواقع الاتصال فيكون للجماعة ما تستند إليه من رفض اعتماداً على الرفض الشعبي. أو ربما هناك اختيارات أخرى لا اعرفها ( أنا وانتم الأن ننفذ سيناريو المجاميع رغماً عنا، أنا بالكتابة والتفكير وانتم بالقراءة والتفكير) . المهم أن المجاميع عليها أن تقوم بدورها، وفى النهاية نفعل لأنه من الصعب التفكير فى سيناريو آخر للمجاميع وسط مفرمة العمل والاختلاف والمفاجئات اليومية والجهل العام والمتوقع من أي مواطن عادى بالوقائع وتشابك مصالح السياسة. 
ثم تتشابك المجموعتان في مشهد جديد من الفيلم، مشهد انهيار الاقتصاد وهبوط الجنية المصري أمام الدولار وينهمك الجميع في التفكير والحركة وربما الاستعانة بجماهير خفية (المصريين في الخارج) في مشاهد صوتية من تحويل الدولار للبلد وهنا تفكر ممثلة كومبارس مكتئبة عن علاقة المشهد السابق للعريان بالمشهد الحالي من سقوط الاقتصاد لتفكر ربما في أن كاتب السيناريو يضع المخدر في الشاي لينسى الجمهور الذي هو نفسه المجاميع (آه نسيت أقول ده قبل كده!) ينسى الجميع مشهد "نعم للاستقرار" وما يتبعه من ازدهار متوقع للاقتصاد وتوافد السياح ومعهم الدولارات، المشهد الذي تم تمثيله بنجاح، وتتساءل نفس الممثلة الكومبارس عما إذا كان للمجاميع \المشاهدين عقول من تيفال لا يلتصق بها الكلام أبدا!
دور المجاميع على مر القرون كان تنفيذ الدور المرسوم أو الارتجال والخروج عنه ثم العودة السريعة ربما لنفس الفيلم أو فيلم أسوا. هذا هو الحال في تاريخنا الحديث على الأقل منذ ثورة المصريين بزعامة الأزهر في 1805والتى انتهت بتعيين حاكم اجتبى وهو محمد على ، وثورة عرابي 1882 والتي انتهت بالقمع والاحتلال الأجنبي ( أجنبي برضه!) .دور المجاميع يسير كثيراً حسب الدور المطلوب فى العامين الماضيين اللهم إلا من بعض الكومبارس المتهور الذي يظل يرفض السيناريو المرسوم ويتم نفيه خارج البلاتوه سواء بالطرد، التشويه او القتل.
المشكلة الحقيقية أن المجاميع لاتحصل على أي شئ مقابل التمثيل..لاشئ..تتغير الأفلام والمخرجين والسيناريوهات ويزيد الجهد او ينقص ولا يحصل الكومبارس إلا على وجبة ، قد تكون بلحم او دون لحم حسب نوع المجموعة..فقط!
فى تاريخ السينما الحديث لم يتغير الدور البائس للمجاميع كثيراً..شئ محبط..فقط تملؤنى طوال اليوم فكرة..سؤال..أليس من الجائز أن ترسم المجاميع دوراً جديداً..تكتبه بدقة و تنفذه بدقة وتغير نهاية الفيلم بالكامل؟
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.منى النمورى مدرس الأدب الإنجليزي والأمريكي بكلية الآداب جامعة طنطا وجامعة العلوم الحديثة والآداب بالسادس من أكتوبر، مترجمة وكاتبة إبداعية وعضو الجمعية الأدبية للأدب المقارن.

ليست هناك تعليقات: