2011-10-01

فاصوليا خضراء..بقلم منى النمورى


خرج الشاب الصغير محمود من بيته مبكراَ ليمر على جاره مروان فى بيته فى طريقهما الى درس الأحياء الخصوصى..لايزال هناك متسع من الوقت قبل الدرس ليخطف تصبيرة من الطعام تعينه على يومه. الحق انه نزل هارباً من منزله الذى عمته الفوضى فى الشهور الأخيرة منذ لحقت أمه بأبيه المريض فى الخليج وتركته مع أخته الكبيرة..منذ غابت الأم وكل شئ مقفر فى المكان وأخته التى لاتكاد تفعل شيئاً تتذمر طوال الوقت..حاولت الطبخ فى بداية الأمر لكن لم تكن النتائج مرضية لأى منهما بل أضافت الى اعباء البنت الذى حاول محمود جاهداً أن يحصرها فى ذهنه عبء الأطباق المتسخة..توقفت الفتاة عن المحاولة وأخذت توزع مصروف البيت عليهما بالتساوى ليشترى كل منهما مايريد من طعام السوق الجاهز..تارة طعمية أو فول أو كشرى أو الشطائر السريعة والفطائر..كلها أوفى بالغرض لفترة من الوقت حتى تعب الولد من كل هذا الزيت والتوابل.. ما باليد حيلة سوى الإنتظار الطويل لأم لرآها تنفطر وهى تختار بين أب مريض وأبناء تعرف أنهما لايزالان طفلين رغم علامات النضج على جسديهما..لم يفهم لماذا لم ياتِ عمهما للإطمئنان عليهما كما وعد أخيه..ولم يفهم لماذا لم ترسل زوجة عمه الطعام أسبوعياً كما تصور انها ستفعل يوم أن دست امه بنقود فى يدها و همست بأذنها بكلام لم يسمعه والدموع فى عينيها..كان يفكر فى هذا وهو يقضم البيتزا ماشياً..قلبها يميناً ويساراً داخل فمه..دفعها بلسانه ناحية حلقه ولكنها توقفت..حاول دفعها مرة أخرى لكنها أبت وعصت وكأنه يدفع بقطعة من الصخر فى انبوب ضيق..أرغمها على النزول بجرعة من المشروب الغازى الداكن لكنه لم يستطع أن يكررها..إشتعلت النار فى معدته بعد القضمة الأخيرة وبدا كانها تجرى من اللهيب بإتجاه فمه وتكاد تخرج..وضع قطعة البيتزا بجانب جدار أحد البيوت وأكمل طريقه.

عندما وصل لمنزل صديقه وجده ينهى طعام الغذاء وامامه بقايا طبق من فاصوليا خضراء فى الصلصة الحمراء والأرز الأبيض..تغلغلت رائحة الفاصوليا فى أنفه ومعها صورة أمه بجلباب المنزل أمام الموقد..كانت فاصوليا خضراء..خضراء للغاية..خضراء لدرجة البكاء..مثل حقول الخضرة فى قرية أبيه وبقايا رائحة البرسيم فى حظائر البهائم والشمس الدافئة فوق أسطح المنزل..نظر محمود بطرف عينيه الى الطبق ولم ينس ان يمر على بقايا هرم الأرز الأبيض اللامع تعلوه الصلصة الحمراء وفتافيت اللحم الأحمر..رد دعوة صديقه للغذاء بعفة مريرة وأكد له أنه قد تناول طعام الغذاء مسبقاً ثم تشاغل بمشاهدة ماتش كرة القدم المذاع على التلفاز الموضوع على خزانة الأطباق حتى إنتهاء صديقه من إرتداء ملابسه..حرص على تثبيت نظره على الشاشة و طبق الفاصوليا يراقبه من فوق المائدة..يدغدغ أنفه مثل فاكهة محرمة..يناديه..يخترق صدر أمه عينيه ..ينقط اللبن الدافئ فى فمه..يروى عطشه ويدفئ بطنه الجائع..يعود للماتش وملعقة امه الفضية الكبيرة لا تفتئ تتراقص على الشاشة وتعذبه..يمد يده المرتعشة الى الملعقة المتسخة..يملأها بالفاصوليا الباردة وهو يرتجف ،يرميها على الأرز ويعيد ملء الملعقة بالمزيج..يدسها فى فمه سريعا ويلحس شفته السفلى ويبلعها ..من زاوية عينيه يفاجئه وجود الخادمة ترقبه إنتظاراً ان ينتهى من جريمته الصغيرة حتى ترفع الأطباق..يخرج متعثراً وينتظر صديقه أسفل البناية..ثم يجرى بسرعة ودموعه تجرى على خده..تدخل فى فمه اللاهث وتختلط ببقايا الصلصة الحمراء.

ليست هناك تعليقات: