2008-07-03

الملك ألفريد

(Alfred The Great)

ملكٌ .. تحبه سجلات التاريخ في الأدب الإنجليزي !
حديثي عن الملك ألفريد هو إعادة تنقيب عن ثروة تراثية ، وعلامة بارزة يعرفها كل المهتمين بدراسة الأدب الإنجليزي .. فللملك ألفريد مكانة لا يمكن إغفالها في تاريخ الأدب الإنجليزي ، بل وفي التاريخ الإنجليزي كله .
إنه الملك الإنجليزي الوحيد الذي سجل التاريخ اسمه مصحوباًَ بنعت : العظيم (Alfred the Great)
كان ملكاً للمملكة (الأنجلو ساكسونية) الجنوبية لفترة دامت من 871 إلى 899 م .. أي أن فترة حكمه قد تعدّت ربع قرن ، وهذا ليس لأنه تأثر بطريقة الحكم الحالي في مصر فهو لم يكن قد سمع به بعد ، ولكن هكذا شاءت الظروف .

ولنقدم في البدء نبذة مختصرة عن عصر (الأنجلو ساكسون) كي نكون على نور لمّا نستفيض في الحديث أكثر : -
ففي القرن السادس صار العلماء الجدد مسيحيين لأنهم قد تأثروا بالأيرلنديين الذين أتوا ليغزوهم ، وكان معظمهم من المسيحيين .
وينتمي كل الأدب في هذه الحقبة إلى إنجلترا المسيحية ؛ فقد تمت كتابته بواسطة الرهبان في الأديرة .. وهذا يشير بوضوح إلى أنه قد كان شفهياً ينتقل عن طريق الحكي .. وكان أكثر الأدباء غير معروفين .

نعود لـ(الملك ألفريد العظيم) .. فنقول أنه قد عانى كثيراً في قتال الدانماركيين لصد غزوهم ضد إنجلترا ، ولكن نجح هؤلاء بالفعل في هزيمة المقاتلين الإنجليز واحتلوا إنجلترا .. وفي عام 871 قُتل أخيه إثر حروبه مع الأعداء ، وفي نفس العام أيضاً مات الملك إثيلريد وخَلَفه ألفريد في الحكم .. يبدو أن مصطلح (توريث الحكم) لم يكن مصطلحاً رائجاً وقتها ، وكذلك لم تكن هناك لعنة مسمّاة بـ(الانتخابات الديموقراطية النزيهة) .. ولهذا تولى الملك ألفريد الحكم بلا مشاكل .

تولى الحكم ليواجه طابوراً طويلاً من المشاكل غير الهينة .. وكان عليه أن يعالجها كأي ملك شريف .. ولقد أثبت فعلاً أنه كذلك ..
فقد نظم الجيوش ليسود السلامُ مملكته ، وأثبت شجاعة وحنكة عسكرية في معاركه حتى تخلص من الدانماركيين أخيراً في عام 897 م .. ولم يخِرّ مجهداً بعد ذلك مؤمناً أنه قد قدّم بحربه كل ما يمكن تقديمه ، ومنتظراً من فناني هذه الحقبة أن يصنعوا له أوبريتات للتمجيد .. ولكن ظل نشاطه بعد الحرب مستمراً فقد حاول الإصلاح في البلاد بعد آثار حربه مع العدو ؛ فاهتم بدفاعات المدينة وحصّنها ، وعنى بإقامة العدالة ، ولُقِّب بـ(حامي الفقراء) .

وبالنسبة لعلاقاته الخارجية فقد كانت كثيرة .. فقد كان على اتصال بأمراء الكلت ( Celt - سكان بريطانيا القدامى) ، وأمراء جنوب ويلز ، وخليفة بغداد ، وكان على علاقة وطيدة بـ بطريرك القدس : إلياس الثالث ، وكذلك كانت بعثاته التي تحمل الزكاة إلى البابا في روما كثيرة جداً .. كما أنه كان يرسل الزكاة إلى أيرلندا بالإضافة إلى الأديرة الأوروبية الأخرى .

على الرغم من أن الهجمات الدانماركية قد شغلت جزءً كبيراً من تاريخ الكنيسة في عهد ألفريد ، وكذلك كانت الأديرة بمثابة نقاط خاصة للهجوم .. إلا أن الملك ألفريد من بين هذا كله كان مشغولاً بقضية التعليم الذي لم يكن راضياً عن مستواه في هذا الوقت .. ولهذا فقد هيّأ كنيستين أو ثلاثة ، وأرسل في طلب رهبان أجانب من إنجلترا لأنه لم يكن هناك أي إحياء للرهبانية في هذا الوقت بسبب الخراب وتدهور التعليم في ظل الدانماركيين .. هذا بالإضافة إلى أن اللغة اللاتينية قد انقرضت تطبيقاً وممارسةً حتى بين رجال الدين .. وترجمات الملك ألفريد إلى اللغة الإنجليزية القديمة – تحت رعاية (البابا جريجوري) - شاهدةٌ على ذلك ..
لهذا استوردَ علماءَ مثل (جريمبالد) ، و(جون الساكسوني) من أوروبا ، و(آسر) من جنوب ويلز ..
ولهذا أيضاً ، وقبل أي شيء ، سخّر نفسه للتعلّم .. وقام بعمل سلسلة من الترجمات لتعليم رجال دينه وعشيرته ، وأغلب هذه الترجمات موجودة حتى لحظة كتابة هذه السطور ، ومن أقدم هذه الأعمال التي تمت ترجمتها : (حوارات جريجوري - Dialogues of Gregory) وهو كتاب قد حظى بشعبية وشهرة واسعة في العصور الوسطى .
لم يكن الملك ألفريد فناناً ؛ لكنه كان يكتب النثر بشكلٍ رائع وتجلى هذا في ترجماته ..
نستطيع – إجمالاً لما سبق - أن نقول أن الملك ألفريد هو من أسس الثقافة الإنجليزية .

أما عن كتابه الثاني (اهتمام جريجوري الرعوي - Gregory’s Pastoral Care) ، أو – على الأخص – المقدمة التي افتتح بها هذا الكتاب ؛ فيعتبرها الدارسون واحدة من أمتع الوثائق التي تمت كتابتها في التاريخ الإنجليزي .

العملان التاليان أخذا الطابع التاريخي .. (التاريخ العالمي لـ “أوروزياس” - Universal History of Orosius) و (تاريخ “بيد” الكَنَسي - Bede’s Ecclesiastical History)
ففي العمل الأول يحاول الملك ألفريد – باستخدام الحذف والتعديل - إعادة تشكيل أصله تقريباً كي ينتج هذا العمل الجديد ، وفي العمل الثاني التزم الكاتب في نَصّه أسلوب المباشرة ولم تتم أي إضافات ، ومع ذلك فأغلب الوثائق وبعض المسائل الأخرى غير المهمة محذوفة .
في الأعوام الأخيرة زادت نسبة شكوك البعض الذين شككوا في ترجمة ألفريد لـ(تاريخ “بيد” الكَنَسي) .. لكن هؤلاء لا يأخذ برأيهم الدارسون حتى ولو حاولوا إثبات ما يقولون .

والآن نأتي لعمل الملك ألفريد الأكثر إمتاعاً : (تعزية فلسفة “بوذياس” - Consolation of Philosophy of Boethius) . الكتاب الأكثر شعبية في العصور الوسطى .. وقد جاء فيه هذه العبارة له :
” رغبتي كانت أن أحيا بجدارة طول حياتي ، وأرغب بعد انتهاء حياتي أن أترك لهم ما يجب أن يتبعوه . ذاكرتي في الأعمال الجيدة ”
جاء هذا الكتاب إلينا في مخطوطتين .. الأولى نثراً ، والثانية مزيج من النثر و مجانسة الشعر .

ثمة عمل آخر للملك ألفريد يدعى : كتاب الموت (كتاب القوانين) .. سوّى فيه القوانين الطويلة والمؤسسة لكلٍ من هذه الممالك المسيحية : كنت ، و ميرسيا ، و ويسيكس ..
لاحظ سير (ونستون تشرشل) أن (الملك ألفريد) قد رَمَزَ في هذا الكتاب لخليط من شريعة (موسى) عليه السلام ، والمبادئ المسيحية لقانونِ (Celto Brythonic) ، وعادات ألمانية قديمة ..
وصرّح (تشرشل) كذلك بأن هذا الرمز قد ضُخِّم من قبل خلفاء (الملك ألفريد) ليصبح أساساً للقانون العرفي الذي أُدير بواسطة المقاطعة والمحاكم المائة ، وهذا قاد إلى دستور الحريات .

آخر أعمال ألفريد حمل اسم Blostman)) .. أو مقتطفات أدبية ..
الكلمات الأخيرة من هذا العمل قد تم اقتباسها لتشكل مرثية لنبلاء الملوك الإنجليز .
” يبدو لي رجلاً أحمق جداً وتعس حقاً مَن لا يزداد وعيه وإدراكه أثناء وجوده في هذا العالم ، ويشتاق لأن يبلغ حياةً لا نهائية حيث يتضح كل شيء . ”

بجانب أعمال (الملك ألفريد) ، فقد نُسبت إليه الترانيم المقدسة الخمسون الأولى ، وهذا محتمل جداً وإن كان إثباته لم يتم بعد .
وبالإضافة إلى ذلك أيضاً فقد ظهر (الملك ألفريد) في (البومة والعندليب -The Owl and the Nightingale) كشخصية من الشخصيات .. حيث أن حكمته ومهارته بالأمثال تشهد على ذلك .

وأيضاً (أمثال ألفريد - The Proverbs of Alfred) التي نجدها في مخطوطة تنتمي للقرن الثالث عشر .

العام الذي مات فيه (الملك ألفريد) ليس مؤكداً .. لكن من المرجح أنه قد توفي في 26 أكتوبر من عام 899 م .. وتم دفنه بشكل مؤقت في الكاتدرائية القديمة في (ونشستر) ، ثم انتقل إلى الكاتدرائية الجديدة التي تم بناءها خصيصاً لاستلام جثمانه .. وفي عام 1110م عندما انتقلت الكاتدرائية الجديدة إلى (هايد) شمال المدينة ؛ انتقل الرهبان مع جثمان الملك سوية إلى دير (هايد) .. وعلى ما يبدو أن قبره قد تم تنقيبه عند بناية سجن جديد في عام 1788م وتبعثرت العظام .
لكن في عام 1860م تم العثور على عظامه في موقع مماثل وتم دفنه مجدداً في فناء كنيسة (هايد) .
ثمة تنقيب شامل أجري عام 1999م كشف ما تبقى من بقاياه الجسمانية .

مما ورد عنه في الأدب والدراما …

Thomas Augustine Arne’s Masque of Alfred- تمثيلية
G. K. Chesterton’s- ملحمة شعرية
The Namesake and The Marsh King- رواية
The Days of King Alfred- رواية
- The Edge of Light – رواية تاريخية 1991
The Last Light of the Sun- - 2004
-Alfred Duggan - رواية تاريخية

وتجسدت هذه الشخصية في السينما لأكثر من مرة …
- كانت المرة الأولى عام 1969 في فيلم : (ألفريد العظيم - Alfred the Great) ، ولقد لعب دوره الممثل (ديفيد همنجز – David Hemmings) وشاركه البطولة (مايكل يورك -Michael York)
- أما في المرة الثانية ، والتي تمت عام 2006 ، فقد قُدِّم في فيلم ( السجلات الساكسونية - The Saxon Chronicles) وقد أنتجه المخرج ( جيشا دي هورتا - Jeshua De Horta) .

وتكريماً له ، وتخليداً لذكراه .. سُمّيت جامعة (ونشستر) باسم : جامعة الملكِ ألفريد .. وذلك بين 1840 و2004.. بالإضافة إلى كليَّةِ ألفريد الرسمية الواقعة في نيويورك ، كلاهما سُمّيَ على اسم الملك .
وكذلك أقامت جامعة ليفربول (مقر الملك ألفريد للأدب الإنجليزي) ، كما نُسبت جامعة أكسفورد أيضاً – خطئاً – إليه .. هذا بالإضافة إلى جالية الملك ألفريد وكلية الألعاب الرياضية في (وانتاج) مسقط رأسه .

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

شكرا جزيلا معلومات شيقه ورائعه

غير معرف يقول...

تحية خالصة لكلتب المقال مع تحيات آلاء ضبعون