2011-02-18

الطربوش

اكتسب الطربوش في مصر منذ أوائل القرن 19 وحتى قيام ثورة يوليو عام 1952، دلالة قومية وتاريخية وثقافية باعتباره كان رمزا في مواجهة قبعة الأوروبيين خلال هذه الفترة، التي كان خلالها الطربوش صاحب مكانة رفيعة ومحاطا بحماية كاملة من القانون، حيث كان اعتماره ملزما لكل الموظفين وكبار رجال الدولة والباشاوات وحتى الطلاب في المدارس، كما كان يمثل بالنسبة للرجال هيبة وقيمة، فيما كانت محلات بيعه قبلة للناس..
واليوم - رغم غيابه عن الرؤوس طويلا منذ قرار الرئيس جمال عبد الناصر بعد ثورة يوليو بإلغاء إلزامية ارتداء الطربوش، ليصبح المصريون والفئات الأخرى أحرارًا فيما يرتدون على رؤوسهم باستثناء «الطربوش الأزهري» العمامة المنتشرة الآن بين طلاب وشيوخ الأزهر الشريف
..في حي الغورية بالأزهر الشريف مازال الطربوش موجودا وكذلك أشهر صناعه «الحاج أحمد محمد وأولاده» منذ بداية العام 1913 في عهد الوالي سعيد باشا، وعلى الرغم من تجاوز «الأب» سن الثمانين، فلا يزال يباشر مهام صناعة الطربوش ويساعده ولده الأكبر «محمد» الذي ارتضى لنفسه أن يكون أستاذًا بالجامعة، ورغم مهامه العلمية لكنها لم تشغله لحظة عن متابعه صناعة مهنة «الطربوش» فهي - على حد تعبيره - ميراث يجب الحفاظ عليه مهما كلف الأسرة من استنزاف في المال وجهد في العمل وراحة للشيخ الكبير
تحدث محمد عن مهنة صناعة الطرابيش فقد عاشها منذ طفولته، وأصبحت النصف الآخر من عمله، وقبل أن يسترسل رفع نظره إلى صورة الوالد التي تتزين بها أركان المحل ثم يلتفت خلفه قائلاً: من يسكن هنا بجوار الأزهر تدب في روحه قوة لا يشعر فيها بالشيخوخة فمن بابه التاريخي الإسلامي دخل وخرج شيوخ عظماء في مصر وظلوا شبابا حتى في شيخوختهم، صنعنا بأيدينا لهم «الطربوش» وكانوا يرتدونه بمثابة فرض وإلزام.
قصة صناعة الطربوش لها تاريخ طويل، بدأت ـ كما يقول الابن الأكبر محمد ـ حين أصدر الوالي سعيد باشا فرمانًا بخصم قرش صاغ من كل موظف حكومي يخصص لإنشاء مصنع أهلي لصناعة خام الطربوش حيث كان يتم استيراد الطربوش في ذاك الوقت
يستطرد: بإنشاء هذا المصنع، تم إنتاج أنواع مختلفة من الطرابيش أطلق عليها أسماء «الوادي» و«النيل» و«الجمهورية»، وكانت هذه النوعية تضاهي المستورد فى ذلك الوقت، ولكون الطربوش كان بمثابة التاج الملكي «إلزاميا ملكيا» لعامة المصريين الذين يعملون في المصالح الحكومية والجيش والشرطة وجميع الوزراء حتى سفراء وقناصل الدول الأجنبية والعربية في مصر، فقد أحدث هذا الإلزام الملكي نهضة في صناعة الطربوش ورواجا لسوقه، مما انعكس بالثراء على صناعته.
للتخلص من الحكم التركى، وكان أنصار يذكر أن المفكر سلامة موسى كان من أنصار التخلى عن الطربوش الطربوش يلعنون القبعة ويعتبرونها تخلياً عن الهوية واتسع نطاق المعركة، وأصبح الشارع المصرى طرفاً فيها.

وهنا ظهر «مشروع القرش» لأحمد حسين الذى كان لايزال طالباً فى مدرسة الحقوق «الكلية حالياً»، ورأى أنه من العار على المصريين أن يستوردوا زيهم الوطنى من الخارج
وكان الطلبة فى الجامعات يحملون عدداً من دفاتر المشروع ويذهبون إلى مدنهم وقراهم يجمعون التبرعات، وطغت الروح الوطنية على المشروع، الذى كانت حصيلته فى العام الأول ١٧ ألف جنيه وفى التالى ١٣ ألف جنيه وكان شعار اللجنة التنفيذية هو «تعاون وتضامن فى سبيل الاستقلال الاقتصادى।
وأسفر هذا المشروع فى نهاية الأمر عن إنشاء مصنع للطرابيش بالفعل فى العباسية «شارع مصنع الطرابيش»، بالتعاقد مع شركة ألمانية اسمها «هاريتمان»، وتم افتتاحه فى ١٥ فبراير ١٩٣٣م.
وفى نهاية العام بدأ الطربوش المصرى يغزو الأسواق المحلية وعلى الفور قام بعض الوفديين بمظاهرات تندد بالمشروع وهتفوا بسقوط أحمد حسين «يسقط حرامى القرش»، واتهموه بالاختلاس وكانت حملة تشهير قاسية ضده فاستقال من سكرتارية جمعية «القرش».
ومن اشهر حكايات الطربوش المصرى
في عام 1932 و اثناء احتفال مصطفى كمال اتاتورك باعلان الجمهوية التركية كان الوزير المفوض المصري يلبس طربوشا معتبر
ا أثناء الوليمة لاحظ أتاتورك الطربوش على رأس المصري ، و كان يكره الطرابيش كثيرا ، و كان قد قام بالغائها و طلب من الناس ارتداء القبعة مكانها ، طلب اتاتولاك من المصري خلع الطربوش ، فرفض السيد الوزير

فكيف يتخلى عن مجد ابائه و أجداده ، و كيف يفعل ذلك و مليكه يعتمر طربوشا مثله؟ انها اهانة للذات الملكية أولا و اهانة للأعراف و التقاليد المصرية ثانيا ، و اهانة للدين الاسلامي ثالثا ، فما كان من اتاتورك الا ان امر احد السفرجية بخلع الطربوش من على رأس السفير المصري ، فقام السفير و ترك المائده
هكذا قامت أزمة بين مصر و تركيا ، و أبى جلالة الملك الا الاعتذار الرسمي من الدولة التركية الوليده ، و قام الناس باستهجان الموقف و تكلما فيه الكلام الغليظ ، فقال الأفندية : كيف يساوي اتاتورك بيننا و بين العمال و ما شابه ، فيرفع من على رؤوسنا مصدر عزتنا و مجدنا؟ و قالت الحريم : يا عيب الشوم! – - ، و قال الشيوخ : كيف يأمر رئيس الدولة بمثل هذا الفعل ، ألا يعلم أنه لا تقبل شهادة حاسر الرأس ، و أن الطربوش و العمامة من زينة الرجل ، و أنه صلى الله عليه و سلم كان يلبس العمامه ،
و ظل الناس في القطر المصري يتحدثون بغضب و حزن على اهانة الطربوش ، و أخذوا يتذكرون أيام مجدهم حيث كانت الطرابيش تدل على مجد لابسها ، و كان الفقراء يصرون على لبس الطرابيش تشبها بأصحاب المكانة و الجاه ، و تكونت جمعيات متعدده للدفاع عن الطرابيش ، مثل جمعية زر طربوش و كومة فلوس ، و جمعية الرفق بالطربوش ، و جمعية طرابيش بلدنا أجدع طرابيش ، و انتقد الجميع بلا استثناء اتاتورك

ثم ظهر الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا ، فاعتذر أتاتورك عن ما فعله ، و أعلن أنه مش هايعملها تاني ، و قام بعد ذلك الشعب المصري قومة رجل واحد فأقاموا الاحتفالات بعودة الكرامة الى الطربوش ، و رقصوا في الشوارع و أعلنوا سنة 1932 سنة الطربوش.


هناك تعليقان (2):

K. يقول...

An interesting and funny post indeed...

د.محمد الشافعي يقول...

شكرا لحضرتك ولتشجيعك الدائم لي...أسعدني مرروك...وتعليقك