2025-11-13

غربة الروح وثقل الأيام

 

دكتور محمد الشافعي 

كأنّني أعيش في نفقٍ طويلٍ بلا مخرج، تحاصِرني الضغوطات من كلّ صوبٍ كالسكاكين المُسنَّنة، لا تترك لي موطئًا آمنًا أضع فيه قلبي أو أنثر فيه بعضًا من راحتي المنهوبة. في ميدان العمل، أحاطت بي وجوه لا تعرف للعدل طريقًا، ولا تحسن للعلم تقديرًا، كأنهم يسيرون على دروبٍ عمياء، بينما أحمل أنا شعلة المعرفة على كتفٍ أثقلته المسؤوليات، فلا هم يبصرون، ولا أنا أرتاح.

وفي البيت، يتهاوى صبري تحت ثقل الأعباء، كل شيء يُلقى على كاهلي، وكأنني جبلٌ لا ينحني، ولا أحد يدرك أنّ الجبال تنهار بصمت، وتتآكلها الرياح من الداخل. حتى نفسي، لم تعد تلك النفس التي تُؤنسني في وحدتي، بل غدت مصدر قلقٍ دائم، وتوترٍ مقيم، كأنني أُحاصر من الداخل والخارج في آنٍ واحد، فلا أنا قادرٌ على الهرب، ولا السكينة تسمح لي بالاستقرار.

تلاشت ملامح السعادة، واندثرت تفاصيل الراحة، وغابت عن قلبي الطمأنينة كما يغيب القمر في ليلة ظلماء. أيامي تشابهت، صارت كتتابع الموج على شاطئ مقفر، لا يحمل لي جديدًا سوى الخوف، والترقُّب، وانتظار ما لا يُرجى. لا شيء يربت على قلبي المنهك، لا أحد يسمع صراخي الصامت، ولا يد تمتد لتنتشلني من هذه الهاوية الناعمة التي لا قاع لها.

وفي خضم هذا التيه، لا يُنقذني إلا نور الله، حيث يأخذني القرآن بين آياته كأمٍّ حانية، يهمس في أذني بما يربت على فؤادي، ويرشّ على جراحي بلسمًا من الطمأنينة الربانية. أقرأ، فأبكي، وأسمع، فأهدأ، وأشعر كأنني أستعيد شيئًا من إنسانيتي المبعثرة. القرآن ملاذي حين تغلق الدنيا أبوابها، وهو السكينة حين يعجّ كل ما حولي بالفوضى، وهو الحياة حين تموت في داخلي الحياة.

فهل يُكتب لي الخلاص من هذا السرداب؟

أم أن قدري أن أظلّ أتوكأ على نور الله وحده، في طريقٍ لا أفق له؟

ليست هناك تعليقات: