2025-11-11

الإرهاق النفسي

دكتور محمد الشافعي 

الإرهاق النفسي والقلق والتوتر، ثلاثي قاتل يتسلل إلى الروح دون استئذان، يحاصر القلب بأشواك الخوف، ويخنق العقل بأضلاع الحيرة. هو العدو الذي لا يُرى، لكنه يُحس في العظم، ويُسمع في دقات القلب المتسارعة، ويُلمس في الأنفاس المتقطعة، والسكون المتوتر، والنظرات الزائغة.

هو ذلك الشعور الثقيل الذي يُلقي بظلاله على الأيام، فيحوّل الضوء إلى رماد، والضحكة إلى قناع، والراحة إلى أمنية بعيدة المنال. كيف لإنسان أن يستقيم له عيش، وفي صدره عاصفة لا تهدأ، وفي رأسه ضجيج لا يسكن، وفي أعماقه صراع لا يُروى؟

القلق كالسوس في الخشب، لا يعلن نفسه صراحة، لكنه ينخر البنيان حتى يسقط صامتًا. والتوتر حبل يلتف حول الأعصاب، يشدّها شيئًا فشيئًا حتى تنقطع القدرة على الصبر، ويضيع الاتزان. أما الإرهاق النفسي، فهو تلك الرحلة الثقيلة في طرقات الحياة، حين ينهار الحماس، ويتقوّض المعنى، وتتساوى البداية بالنهاية.

ليست المشكلة في التعب ذاته، فالجسد يتحمل، ولكن في الخوف الدفين، وفي التفكير الذي لا يعرف راحة، وفي التوقعات التي تُثقل الروح بأكثر مما تحتمل. إن الإنسان حين يتعب من الداخل، لا يجدي نفعًا نوم طويل، ولا فنجان قهوة، ولا كلمات المواساة. فهناك ألم لا يُقال، وجرح لا يُرى، ودمع لا يُسكب.

والأسوأ من كل ذلك أن تحيطك الوجوه التي لا تبصر ما تعاني، وأن تُجبَر على التظاهر بأنك بخير، وأنت في الحقيقة تنهار بصمت، وتبتسم كي لا تُقلق أحدًا، فيما قلبك يئن كالوتر المشدود على جرح.

إنه وضع لا يُحتمل... أن تُقاتل عدوًا لا شكل له، أن تحارب من داخلك، أن تكون ساحة المعركة وضحيتها في آن. ومهما بلغت من قوة، ستدرك أن للروح طاقة، إن تجاوزتها، تذبل كما تذبل الزهرة في صيف قاسٍ بلا ظل.

أشد ما في الأمر أن هذا العدو لا يُهزم بالهرب، ولا يُسكت بالصراخ، بل يحتاج إلى شجاعة المواجهة، وإلى لحظة صدق مع النفس، وإلى ضوء صغير في آخر النفق، يعيد للروح توازنها، وللعقل سكينته، وللقلب إيمانه بأن بعد العسر يسرًا، وبعد الليل فجر لا يُخلف وعده.

ليست هناك تعليقات: