2025-11-12

وجوه بلا نور

 

دكتور محمد الشافعي 

في زمن تاهت فيه البصائر واختلط فيه النور بالظلال، لم يعد يدهشني أن أجد من يتصدرون المنابر ويتشحون بثياب الوقار، وهم في حقيقتهم بعيدون عن جوهر الدين، أقرب إلى التمثيل منهم إلى التدين، يحفظون ألفاظًا لا يعقلونها، ويكررون عبارات لا يعيشونها، يرفعون الصوت لا لبلاغةٍ، بل لاستعراضٍ أجوف، ويقذفون السامعين بعبارات مسجوعة خاوية كأنما خُرجت من آلة لا روح فيها.

لا أجد في مجالسهم سكينة، ولا في ملامحهم نور هداية. بل كثيرًا ما يطالعك وجه متجهم، كأنما صيغ من قسوة الحجر، تفوح منه رائحة التعالي، وتطلّ من عينيه نظرات تزهو بالنفس لا بالخالق. ما أكثر ما رأيتُ فيهم أثر الرياء، وما أوجع أن يتحول الدين ــ ذلك النور الخالص ــ إلى سلعة يتكسب بها من لا خَلق لهم ولا خُلق.

الدين أبسط من كل هذا التكلّف، أيسر من تلك الجُمل المتكلفة، أعمق من أن يُختزل في لحيةٍ وثوبٍ قصير، وأسمى من أن يُحتكر في فكر فئة تدّعي أنها وحدها تملك مفاتيح الجنة. إن الإيمان الحقيقي لا يحتاج إلى واسطة، ولا يعلو بالصوت بل يخفضه، ولا يستعرض، بل يتوارى بتواضع.

إنني لا أرتاح لكلمة "الشيخ فلان"، حين تُلصق تلقائيًا بمن جمع في هيئته صفات معينة، كأننا اختزلنا العلم في الشكل، والهدى في المظهر. بل إنني كثيرًا ما وجدت السكينة في كلمات العوام الصادقين، ممن لا يملكون سوى قلوبٍ سليمة، وأرواحٍ نقية، بينما ضاعت تلك السكينة بين صيحات منابر تُنفّر أكثر مما تُبشّر.

لست من المعادين للدين، بل من المحبين له في صفائه، في رقّته، في رحمته التي وسعت كل شيء. إنما أرفض تلك الصورة التي شوهها بعض من ظنّوا أنفسهم حراس العقيدة، فأساؤوا إلى جوهرها، وأفسدوا صفاءها، فكانوا فتنة للناس وهم لا يشعرون.

الدين نور، والنور لا يحتاج إلى صراخ... الدين حب، والحب لا يعرف رياء... الدين يقين، واليقين لا يسكن قلب المتاجر... فسلام على من عرف ربه بقلبه، وأحبه بصدقه، وعاش إيمانه خفيف الظل، لا يُثقل الناس بوعظه، ولا يُربكهم بزيف تقواه.

ليست هناك تعليقات: