فوانيس رمضان
بقلم د ناصر إسماعيل جربوع
بقلم د ناصر إسماعيل جربوع
- ما أجملها من أيام خلت مرت علي امتنا العربية والإسلامية بشكل عام ، ومجتمعنا الفلسطيني المتجذر بتراثه وحضارته العربية والإسلامية بشكل خاص ، أيام خلت كان لكل شيء طعم في رمضان، وغيره ، كان لكل شيء حكاية مرتبطة بالتراث العربي الأصيل ، تناولت في حلقة سابقة موضوع المسحراتي وتطوراته في التاريخ الإسلامي، واليوم أجد لزاما عليّ كمسلم عربي أعشق تراثي الذي تربيت عليه، وتر سخت فيه قيمي التي لن تتبدل، رغم العواصف والشوائب التي مرت علي شعبي وأمتي ، ورأيت - محافظة منى - علي نسقنا التراثي والقيمى ، أن أتحدث عن فكرة تطور( فوانيس رمضان) هذه الظاهرة الجميلة الشائعة في العالم الإسلامي والتي ارتبطنا بها منذ طفولتنا 00
- ما معنى كلمة فانوس :-- يقول (الفيروز بادي) في كتابه" القاموس المحيط" إن كلمة فانوس تعنى نمام ، وأطلق عليه هذا المعنى لان حامله يظهر في وسط الظلام! 0
- نشأته وتاريخه:--- فكرة الفانوس بدأت منذ عصر "صدر الإسلام" وكان الهدف منه الإضاءة ليلاً للذهاب إلي المساجد وزيارة الأقارب والأصدقاء ليلا،
- ولكن فكرة فوانيس رمضان بدأت عملياً في ليلة( الخامس من شهر رمضان عام 358 هجري ) ، حيث وافق هذا التاريخ دخول الخليفة ( المعز لدين الله الفاطمي ) لأرض مصر حيث خرج أهلها ، واستقبلوه بالمشاعل والفوانيس وهتافات الترحيب والأناشيد، ونتيجة لجمال، وبهجة المنظر في تلك الليلة استحسن الناس هذه الفكرة ،وأصبحت من العادات الحسنة في تراثنا الإسلامي، وتحول الفانوس من وظيفته الأصلية الإضاءة ليلاً إلي وظيفة ترفيهية زمن الدول الفاطمية 00
- وارتبط الفانوس عشقا مع أطفال المسلمين، الذين شرعوا يطوفوا الشوارع مطالبين من الأهالي بقطع من الحلوى ، ومن هنا انطلقت أنشودة الأطفال ( حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو ) ، وكان الأطفال يصاحبون المسحراتي ليلاً 00
- هذا وكان الفانوس قديما يصنع بشكله التراثي الجميل إما من الألمونيوم أو النحاس المزخرف بالزجاج الملون ذو الفتحة الخاصة لوضع الشمعة ، وكانت فوانيس الميسورين لها أشكالها وزخارفها الخاصة ، أما الفقراء فلهم الله أولا ً وجهدهم وإبداعاتهم ثانيا ً، واستذكر هنا فوانيس اللاجئين الفلسطينيين، التي صاحبت هجرتهم القسرية من ديارهم ، وما صاحبهم من الفقر المدقع، حيث كان أطفال المخيم يجوبون الشوارع بحثاً عن عبوات مشروبات فارغة أو تنكات متناثرة من بقايا زيت سيارات أو بقايا معلبات متناثرة هنا وهناك ، وكان طفل المخيم وتحت شعار الحاجة أم الاختراع يحضر مسماراً ، ويشرع بتثقيب العلبة ويبدأ بقص باب صغير لإدخال جزء من الشمعة يتقاسمه مع جاره الفقير، ومع ذلك استطاع الفلسطينيون في مخيماتهم أن ينزعوا البسمة عنوة رغم القهر والبؤس والفقر المتعايش معهم – ويا ليت تلك الأيام الخوالي تعود لأطفالنا، وتعساً للكماليات،وما صاحبتها من صراعات واهية!!! كان أطفال المخيم يطوفون بذكائهم وينشدون أمام كل بيت فلسطيني، وينشدوا لرب أو لربة الأسرة، ما يحبه ويتمناه من الله فمن كان يرجو من الله طفلا بشروه بأغنية حالو يا حالو ويدعو له بان يرزق طفلا ، ومن كان يريد شفاءاً أو من كانت تريد عريسا كانت الأغنية موجهة بشكل ذكى ، وما أجمل تلك الأيام ولم يلاقي الأطفال أي صدود من أي رب بيت ، كان الأطفال يجمعون تحلا يتهم من القطا يف، أو التمر، وحتى الفقراء في المخيم كان يعطيهم نصف رغيف علي الأقل ، حقا ً كنا نشعر بالسعادة رغم فقرنا لأن النسيج الاجتماعي في المخيم كان متينا ً قويا ً أصيلاً – لعن الله من خلخله وأذابه !!!
- أسماء فوانيس رمضان عبر التاريخ : -- اعتاد العرب أن يسموا كل شيء بأسماء تدل على الارتباط الواقعي بالبيئة، وكلنا نعرف أسماء السيوف والخيول بأسمائها المختلفة ،ولكن من الغريب أن العرب أطلقوا على الفانوس حوالي عشرين اسماً منها ( أبو شرف- أبو مرق – أبو لموز – أبو حشوه- المسدس – الصاروخ – الدبابة – شقة البطيخ -علامة النصر – أبو للجم – الترام – وكان يطلق علي أكبرهم( أبو ولاد) وهو الفانوس المشابه للفوانيس التي توضع على الشوارع العامة في رمضان، وهو عبارة عن فانوس كبير الحجم معلق معه أربع فوانيس في جوانبه الأربعة 00
- هذه نظرة تاريخية تراثية عن فوانيس رمضان تاقت نفسي أن أذكركم بها--- أذكركم بأيام طفولتكم الجميلة عسى أن تجلى صدوركم وتستذكروا أيام جميلة قد خلت--- أيام النقاء والبراءة والطهارة---- أيام الحب والإخوة أيام أن تقاسمنا فيها اللقمة سويا ً لنحيا ---- وتحيا فلسطين حرة نقية من كل الشوائب !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق