كما نعلم أن المؤرخين اصطلحوا على تقسيم دولة المماليك إلى مماليك بحرية (نسبة إلى نيل مصر) حيث اختار الملك الصالح – نجم الدين أيوب- الروضة (جزيرة الروضة التي كانت تقع وسط النيل) مقراً له (للماليك البحرية).
ومماليك الجراكسة أو (البرجية) نسبة إلى بلاد الجراكسة التي أتوا منها إلى مصر، أو برج القلعة التي سكنوا بجوارها واتخذوا منها ثكنات.
وفي عصر المماليك الجراكسة اتسعت رقعة الدولة الإسلامية إلى أن وصلت لجزيرة قبرص وأعالي الفرات وأطراف أسيا الصغرى.
حكم السلطان (برسباي)
نشأ كغيره من المماليك الذين جلبوا إلى مصر، تعلم تعليما شرعيا وتربى تربية خاصة على فنون القتال والحرب، والتحق بعدها بخدمة الحكام، وكغيره يرتفع إلى الحكم اعتماداً على ذكاءه وقوته.
كان مملوكاً للأمير (دقماق المحمدي) نائب (ملطية) ولقب بـ (برسباي الدقماقي) ثم أهداه أميره إلى السطان (برقوق) سلطان مصر، فأعتقه وجعله من أتباعه الأمراء، وهكذا تسير به الأيام حتى يتولى الحكم سنة (825هـ، 1422م) فيكون الثامن في دولة المماليك الجراكسة، والثاني والثلاثون في ترتيب حكام المماليك عامة ويلقب بالسلطان الأشرف سيف الدين برسباي.
فتح قبرص
فتحت قبرص (أكبر جزر البحر المتوسط تقع في أقصى شرقه) أكثر من مرة، مرة في عهد معاوية سنة (28هـ، 649م) حيث انطلق أسطول من الشام بقيادة “عبد الله بن قيس”، وأسطول من مصر بقيادة “عبد الله بن سعد” وتواجد في تلك الحملة جماعة من الصحابة، فيهم أبو ذر وعبادة بن الصامت ومعه زوجته أم حرام وأبو الدرداء وشداد بن أوس رضي الله عنهم أجمعين.
ثم سنة (829هـ) وهي ما سوف نتكلم عنها.
ثم سنة 1573م على يد العثمانيين، ثم احتلها البريطانيين سنة (1878م)، ثم استقلت سنة (1945م) ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن وهي مقسمة إلى قسمين (قسم مسلم – تركي) و (قسم مسيحي – يوناني).
فتح قبرص والسلطان (برسباي)كانت قبرص مركزاً للحملات الصليبية على موانئ المسلمين، ففي عهد ملك قبرص (بطرس الأول لوزجنان) قام بحملة على الأسكندرية سنة (767هـ، 1365م) فأحرق عمرانها وبيوتها وتجارتها وانتهكوا المساجد وعلقوا عليها الصلبان، وانتهكوا حرمة النساء وقتلوا الشباب والأطفال والشيوخ وذلك في خلال ثلاثة أيام كاملة، ثم كرروا فعلتهم تلك على طرابلس الشام سنة (796هـ، 1393م).
ولم يستطع المماليك وقف تلك الاعتداءات والحملات على الموانئ والسفن الإسلامية، كما لم تفلح محاولات السلطان (برسباي) لعقد المعاهدات بوقف هذا التعدي وذلك مع ملك قبرص المعاصر له (جانوس).
حتى تمادوا فاستولوا على سفينتين تجاريتين وأسروا من فيهما قرب دمياط وأعتدوا على سفينة محملة بالهدايا كانت متوجهه إلى سلطان العثمانيين (مراد الثاني).
فعزم السلطان (برسباي) على الحرب وقطع حملاتهم الصليبية وانتهاكاتهم المستمرة، وذلك خلال ثلاث سنوات تضمنت ثلاث حملات مهمة.
الحملة الأولى (827هـ) كانت صغيرة (كأنها كشفية) إلا أنها كانت ناجحة، فنزلت ميناء (ليماسول) بقبرص، وأحرقت ثلاث من السفن كانت تستعد للإغارة على الموانئ الإسلامية وعادت الحملة بغنائم كثيرة.
الحملة الثانية (828هـ)، كانت أقوى وأحسن تنظيما حيث تكونت من 40 سفينة اتجهت اولا إلى الشام ثم قبرص ودمرت قلعة ليماسول، وقتلت نحو 5000 قبرصي، وأسرت في حدود ألف أسير وعادت محملة بالغنائم الكثيرة.
وكانت الحملة الثالثة والأخيرة (829هـ) أهمهم، فقد كانت أقوى وأحسن تنظيما عن الحملتين السابقتين، وكان هدفها أقوى وأكبر وهو فتح تلك الجزيرة وادخالها داخل حدود الدولة الإسلامية، كانت مكونة من 180 سفينة معدة على أحسن ما يكون، واستسلمت ليماسول وتوغلوا إلى أن سقطت نيقوسيا عاصمتها وملكها أسيراً، وهكذا دخلت قبرص في سلطان الدولة الإسلامية التي طالما ما كانت تحاول محاربتها.
ورجعت حملة النصر إلى القاهرة تجر خلفها 3700أسير من بينهم (ملك قبرص جانوس)، الذي قبل الارض ما بين قدمي (برسباي) وطلب منه العفو واطلاق سراحه، فوافق على شرط أن يدفع مائتي ألف دينار فدية، وأن يتعهد بأن تظل قبرص تابعة لسلطان المماليك، ويكون هو نائب المماليك هناك، ودفع جزية سنوية، واستمرت قبرص تابعة لمصر حتى سنة (923هـ ، 1517م) التي سقطت فيها دولة المماليك على يد السلطان العثماني “سليم الأول”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق