- مما لا شك فيه أن ما تميز به العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، تطور وسائل الاتصالات بشكل مذهل ، وانتشار الهواتف النقالة ( الخلوية ) في شتى أنحاء العالم بطريقة قل مثيلها ، مما أحدث تغيرات حادة في نمط حياة الإنسان المعاصر.
ويعتبر الهاتف النقال من أهم الأدوات التكنولوجية في الوقت الراهن وأكثرها ملازمة لحياتنا اليومية ، وقد رافق هذا الانتشار تعدد استخدامات هذه الوسيلة التكنولوجية ، فلم يعد الهاتف النقال مقتصرا على إجراء المكالمات الهاتفية بل تعدا الأمر ذلك بكثير ، وأصبح يستخدم لإرسال واستقبال الرسائل النصية والرسائل المصورة ولعرض الأفلام والاستماع للموسيقى ولمتابعة محطات الراديو والتلفزة ، وللترفيه والألعاب والاتصال بشبكة الإنترنت والدخول إلى الحسابات المصرفية وتحويل الأموال ودفع المشتريات ، وغيرها الكثير من التطبيقات التكنولوجية التي لم يكن مخطط لها عند اختراع هذه الوسيلة المدهشة للاتصال .
تطورات مذهلة
في عام 1972 تمكن الباحث مارتن كوبر في شركة موتورلا من اختراع أول هاتف نقال وعرف باسم (( الهاتف الحذاء )) ، ويعتبر هذا الهاتف ، الجد الأول لكافة الأجهزة النقالة في العالم ، ويتميز ذلك الهاتف بكبر حجمه وطول هوائي الإرسال والاستقبال المثبت عليه .
في النصف الثاني من عقد التسعينيات للقرن العشرين ، نجحت العديد من الشركات في تصنيع أجهزة اتصال نقالة خفيفة الوزن وذات كفاءة اتصال عالية ، ورافق ذلك تطور شبكات الاتصال الخلوية وانتشار العديد من الشركات المتخصصة في تأمين تلك الخدمة ، وخلال فترة زمنية قصيرة ، انتشرت هذه الأجهزة في شتى أنحاء العالم ،وانخفضت بشكل حاد أسعار المكالمات الخلوية في العديد من الدول.
لقد ساعد على انتشار الهواتف النقالة ، تلك الخدمات التي أصبحت مدمجة في هذه الأجهزة ، كخدمة الرسائل النصية القصيرة SMS والتي بدأت بشكل تجاري في عام 1995 ، هذا علما بأن أول رسالة نصية قصيرة تم إرسالها بين هاتفين نقالين كان في ديسمبر من عام 1992 ، أيضا فقد انتبه الكثير من المصنعين إلى أهمية الخدمات المدمجة في الهواتف النقالة ، فها هي شركة شارب العالمية تدخل أول كاميرا رقمية في هواتفها وذلك في نوفمبر عام 2000 ، ثم توالت بعد ذلك التحسينات والتطويرات ، حتى باتت ساحة الهواتف النقالة مسرحا تتسابق فيه كبريات شركات التكنولوجيا العالمية ، فها هي شركة موتورلا وشركة أبل تطوران هاتفهما النقال المشترك والذي يتيح إمكانية استخدامه كمشغل للموسيقى ipod ، بحيث يمكن المستخدم من تحميل ما يشاء له من الموسيقى من شبكة الإنترنت وتخزينها في جهازه والاستماع لها متى رغب في ذلك ، وفي المقابل طورت شركات أخرى خدمة الرسائل اللحظية Instant Messaging وخدمة البلوتوث ، كما أدخلت خدمة الهاتف التلفزيون في عام 2005 في العاصمة الفنلندية ، وفي مكان آخر من العالم وتحديدا في كوريا الجنوبية ، تم تطوير خدمة تحميل الأفلام المرئية على الهواتف النقالة وقراءة عناوين الصحف ، وفي اليابان كان العمل جاريا لتطوير شريحة فيليكا لتدمج في الهواتف النقالة والتي تتيح لمن يستخدمها خدمات متنوعة ، كخدمة دفع المشتريات وحجز تذاكر الطائرات والقطارات والوصول إلى حسابك البنكي وتحويل الأموال بدقة وسرعة عالية حول العالم ، وفتح أبواب منزلك ، وتشغيل سيارتك عن بعد ، وغيرها الكثير من الخدمات التي يصعب حصرها .
هذه التطورات التكنولوجية المذهلة ، فتحت المجال واسعا أمام المصنعين والتقنين إلى إقحام الهواتف النقالة في جميع مناحي الحياة ، فها هي شركة نوكيا تطرح في عام 2002 هاتفها النقال من طراز N - Gage والذي يحتوي على باقة مدهشة من الألعاب الحاسوبية عالية الدقة ، وفي الجانب الآخر من العالم وبالتحديد في معهد ماساتشوشتس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية ، طور الباحثون فيه هواتف نقالة قادرة على التعرف على أنماط سلوك أصحابها ومزاجهم لذلك اليوم ، معتمدين في ذلك على تقنية الذكاء الصناعي .
أيضا فان من أحدث وأهم الخدمات التي أدخلت على الهواتف النقالة ، إمكانية الدخول إلى شبكة الإنترنت وتصفح البريد الإلكتروني وإرسال واستقبال رسائلك الإلكتروني بكل سهولة ويسر من خلال شاشة هاتفك النقال ، ومؤخرا أدخلت خدمة Mobile Blog ، وعن طريقها يمكن إجراء عمليات التدوين في المدونات المختلفة ونشر مقالاتك وأفكارك الخاصة في لحظات ،والتعليق على ما يستجد من مواضيع وأخبار في المدونات المختلفة.
إن تنوع الخدمات التي تقدمها الهواتف النقالة ، أهلتها لأن تكون في المرتبة الأولى من قطاع الاتصالات عالميا ، وقد دلت الدراسات أن شركة نوكيا – مثلا – تسيطر على حوالي 30% من سوق الهواتف النقالة عالميا ، وأنها باعت حوالي 1.5 مليار هاتف في عام 2005 ، وتؤكد الدراسات التي أجريت في عام 2006 أن حجم مبيعات الهواتف النقالة قد تضاعف عدة مرات ، وطبقا لمجلة Fortune فان الأمريكيين قد تحدثوا عبر هواتفهم النقالة لأكثر من 17 مليار ساعة في عام 2006 ، وفي المقابل توقعت مجلة State الأمريكية ، انه بحلول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين فان الهواتف الثابته التقليدية سوف تنقرض وتصبح من مخلفات القرن الماضي.
تداعيات ومشاكل اجتماعية خطيرة
لا بد هنا من التأكيد على أن انتشار الهواتف النقالة قد خلق مجموعة معقدة من المشاكل التي لم يكن يعرفها الإنسان سابقا ، فتم إلغاء الخصوصية الشخصية وأصبح الكثير من البشر عبيد لأجهزتهم النقالة ، ومما فاقم الوضع سوءا إدخال خدمات تكنولوجية وتقنية جديدة في الهواتف النقالة وفي شبكاتها الخليوية ، كخدمة GPS ، والبلوتوث ، وخدمات البث المرئي ، مما أفرز مشاكل اجتماعية معقدة ، دفعت العديد من الدول إلى تقييد ومنع استخدام مثل هذه التقنيات الحديثة .
ويمكن تحديد بعض هذه المشاكل الاجتماعية طبقا لدراسات أجرتها الكاتبة كريستين روزن في أواخر عام 2004 ونشرت في مجلة Atlantis The New :-
1. أسهمت الهواتف النقالة في جعل الاتصال الدائم بين الأفراد ممكنا وهذا جعل الأفراد أقل قدرة على اتخاذ القرارات الهامة في حياتهم دون تأثيرات جانبية من الآخرين.
2. أدى الاتصال الدائم إلى حدوث حالة من التشتت الذهني للأفراد ، فتجد أن جسده المادي موجود أمامك ، أما عقله وتفكيره فمرتبط بأشخاص آخرين قد يبعدون عنه آلاف الأميال.
3. تغيرت الكثير من المفاهيم الاجتماعية والأخلاقية الراسخة ، والتي لا يمكن إدراك حجم هذا التغير قبل مضي بضع سنوات على الأقل.
4. أدى الاتصال اللحظي إلى إلغاء ما كان يعرف بساعات العمل المحددة ، وأصبح الكثير من الموظفين تحت الطلب طبقا لقاعدة 24/7 ( 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع ).
5. أسهمت هذه الأجهزة في إدخال الكثير من العادات الاجتماعية الغريبة على المجتمعات المحافظة.
6. أسهمت أيضا في تمكين بعض الأشخاص من التحايل على القوانين وتسهيل ارتكابهم للكثير من الجرائم.
7. مكنت هذه التكنولوجيا بعض الأفراد من تحقيق مكاسب مادية طائلة ، وفي المقابل أدت ببعض أصحاب الدخول المالية المنخفضة إلى الإنفاق على أجهزتهم النقالة على حساب احتياجاتهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق