الأدب الجنزي المصري أدب المقابر المصرية القديمة
جريدة الاثريين - العدد الثالث
بقلم : محمود رزق
الأدب الجنزي المصري
أدب المقابر المصرية القديمة
عرف
المصريون القدماء انواع مختلفة من الأدب هي الأدب الدنيوي ، الأدب الديني ،
و الأدب الجنزي ، و يعد الأدب الجنزي اهمها واكثرها انتشارا و تواجدا ،
لانه يتمحور حول رحلة آله الشمس والملك المتوفي في العالم الاخر و ما
يصاحبهم من الموتي الصالحين و المذنبين ، وما يواجههم من أهوال و صارعات في
العالم السفلي و صولا الي عمليه البعث من جديد و اشتمل الأدب الجنائزي على ترانيم ومدائح وصلوات وتعاويذ لمساعدة المتوفى على إكمال مسيرته في العالم الآخر، كذلك اشتمل على رسائل للأحياء (وصايا)، ورسائل للموتى وشكاوي، وسير ذاتية
، سجلت علي الجدان الداخلية للمقابر سواء كانت أهرام ومصاطب كما كان في
عصر الدولة القديمة ، او علي حجرات داخلية تلحق بممرات و سراديب كما كان في
الدولة الحديثة ، و أن سجلت ايضا علي التوابيت في عصور الدولة الوسطي وهو
ما عرف اصطلاحا بنصوص التوابيت.
تعالوا
معا نستعرض تلك الكتب والنصوص واسماءها و اسباب تواجدها علي مدار فترات
التاريخ المصري القديم ، أن اول تلك النصوص هي ما عرفت اصطلاحا باسم نصوص
الاهرام لانها وجدت مسجلة علي جدران الاهرامات داخل حجرات الدفن والممرات
المؤدية اليها منذ اوخر الاسرة الخامسة ، تحديدا في عهد الملك أوناس و
استمر تسجيلها في الاسرة الثامنة حتي عهد قا كا رع ايبي و الذي اكتشف jequier هرمة الصغير في سقارة القبلية عام 1935م .
و
تضم نصوص الاهرام نحو ما يقرب من 760 رقية لا تشكل معا مجموعة مترابطة ، و
تعد مظهرا من مظاهر انهيار الملكية في تلك الفترة رغم انها تشهد علي ثراء
الادب الجنزي والديني معا ، و هي معروفة منذ عام 1880م و في عام 1882 نشرها
maspero
و كذلك تبعه k.sethe كما قدم R.O.faulkner
ترجمة لها ، و تتحدث النصوص عن توحيد الملك المتوفي مع الاله اوزير ، الذي
اصبح فيما بعد اله الموتي وكبير الالهة في عالم الموتي السفلى ، و مصاحبة
الملك لاله الشمس رع اثناء رحلتة اليومية عبر السماء و التي اصبحت فيما بعد
ركيزة اساسية تستند عليها النصوص الجنزية في عصر الدولة الحديثة كما سنري
فيما بعد.
كان
نتيجة لانهيار السلطة الملكية في الفترة الانتقالية الاولي ان اغتصبت
النصوص الجنزية القديمة التي اعدت لحماية المتوفي و انتشر استخدامها واصبحت
تكتب علي جوانب التوابيت في عصر الدولة الوسطي ، ضمانا لحماية المتوفي و
تمتعه بحياة خالدة بعد الموت مثل الملوك في نصوص الاهرام ، و نشر lespsius و lacau اجزاء من نصوص التوابيت بينما قام deback و O.faulkner
بنشرها كاملة و تؤكد تلك النصوص دور اوزير كملك للعالم الاخر و سيطرته علي
العالم حيث اصبح يحمل ألقاب تشير الي هذا الدور مثل امام الغربيين ( خنتي
امنتيو ) و رب العالم الاخر و غيرها ، و الي جانب نصوص التوابيت ظهرت بعض
الأناشيد الدينية في شكل صلوات وابتهالات مثل أنشودة اوزير ، أنشودة مين و
كذلك أنشودة النيل.
شهد
عصر الدولة الحديثة غزارة في انتاج الادب الجنزي ، و الذي من الممكن تقسيم
تلك المرحلة الي مرحلتين مرحلة ما قبل العمارنة اي من الاسرة الثامنة عشرة
حتي قامت ثورة اخناتون الدينية و في تلك الفترة اقتصر الادب الجنزي علي
كتاب الايمي دوات اي ما هو كائن في العالم الاخر و مرحلة ما بعد العمارنة
من نهاية عهد اخناتون و حتي نهاية الاسرة العشرون و في تلك المرحلة اقتضي
الامر اضافة كتب دينية جديدة الي جانب الايمي دوات من اجل القضاء علي
العقيدة الاتونية نهائيا او ما عرف اصطلاحا بفتنة العمارنة.
بداية
القول اعتاد الدراسين تسمية الكتب الجنزية باسم كتب الموتي رغم ان التقسيم
الدقيق لها أدي الي ان يطلق الباحثين عليها اسماء مختلفة و هو ما سوف
نتعرف عليه في استعراضها الان ، كما انها انتشرت علي جدران المقابر الملكية
في وادي الملوك ، اول تلك الكتب هو كتاب الايمي دوات او ما هو كائن في
العالم الاخر و هو نص ملكي استخدم كعنوان حديث لما عرفه المصريون القدماء
باسم كتاب الحجرة السرية و يتكون الكتاب من اثني عشرة ساعة او فصلا تقابل
ساعات الليل و تصف رحلة اله الشمس الليلية و لا ترتبط الفصول مع بعضها
البعض ، عادة يبدا كل فصل بمقدمة صغيرة فيها اسم الساعة و تنقسم الساعة
الاولي الي اربعة صفوف بينما باقي الساعات الي ثلاثة صفوف فقط الصف الاوسط
منها يمثل نهر العالم الاخر ، يتوسطه اله الشمس في الصورة الليليه اي الاله
اتوم ، يبحر في مركبة محاط بطاقم من الالهة يقودون المركبة ويختلف هذا
الطاقم في كل ساعة عن التي تسبقها و يمثل الصفان العلوي والسفلي ضفتي النهر
و تتغير شكل المركبة في كل ساعة و ان كان الاله العقل سيا ومعه وب واوات
فاتح الطريق يعتلون المقدمة و تتحول مقدمة المركب في الساعتان الرابعة
والخامسة الي ثعبان ليستطيع المرور في البيئة الصحراوية و يتولي عدد من
الالهة سحبها علي الرمال ، و تمثل الساعة السابعة اصعب الساعات لان اله
الشمس يواجة الثعبان ابوفيس عابب و يستعين بسحر إيزة للتغلب عليه و يضربة
بالسكين و يربطه من الامام والخلف اما الساعة الثانية عشرة تمثل ميلاد
الشمس في صورة الجعران خبري من جديد اشارة الي البعث والخلود بعد الموت .
كان
اول ظهور للكتاب في مقبرة تحوتمس الاول ، و ظهر كاملا في مقبرتي تحوتمس
الثالث و امنحتب الثاني و سجل الكتاب علي جدران اكثر من ستة عشرة مقبرة
ملكية بالاضافة الي مقبرة الوزير اوسر امون وزاع صيته و اصبح يسطر علي
البرديات وتوابيت العصر المتاخر و قد نشره lepsius بينما قام hornong بتجميع كل مصادرة ونشرها.
اما
عن كتاب البوابات ، وهو اسم حديث لمؤلف ملكي يعود الي أواخر الأسرة
الثامنة عشرة ظهر لأول مرة في مقبرة حورمحب ، وأتي في أربعة نسخ كاملة
الأولي علي تابوت سيتي الأول المصنوع من الألباستر والمحفوظ حاليا في متحف
سوان في لندن ، والثانية علي الجدار الأيمن من الممر الامامي المؤدي للضريح
الاوزيري في أبيدوس ، والثالثة في مقبرة رمسيس السادس والرابعة في مقبرة
الكاهن با دي إمن أيبت من العصر المتأخر و قد عانت كل تلك النسخ الاهمال
وضاعت أجزاء كبيرة منها بفعل الزمن ، بالاضافة الي وجود بعض النسخ الغير
مكتملة علي جدران مقابر الدولة الحديثة مثل مقبرة رمسيس الأول والثاني
والثالث و مقبرة سيتي الثاني.
و
يشير اسم الكتاب الي دور البوابات التي تفصل بين الساعات الاثني عشرة
الليلة ، ويتشابه كثير مع كتاب ما هو كائن في العالم الاخر من حيث التركيب ،
حيت يتكون من مقدمة و اثني عشرة ساعة ليلية تنقسم كل ساعة الي ثلاثة صفوف ،
ويفصل بين الساعات بوابات يجب علي المتوفي أن يعرف اسم الباب الخفي
والحارس لكي يسمح له بالمرور مع رع ، ويميزها أعمدة كبيرة تحميها ثعابين
تبصق نيران ملتهبة و يمثل القسم الأوسط منه النهر الذي تبحر فيه مركب رع ،
أما القسمان الأخران فيمثلا ضفتي النهر ، و تنتهي الساعة الثانية عشر بمنظر
الاله نون رافعا مركب الشمس علي الأمواج ، و يعد شامبليون أول عالم مصريات
أشار اليه في خطابه الثالث عشر 1829م من خلال روايته عن مقبرة رمسيس
السادس ثم نشرة كلا من
Maspero و lefebure و قد ترجمة Budge و Hornung لنا كاملا ، كما قدم piankoff و Mayster
نشرا كاملا و ترجمة لهذا الكتاب في عام 1939م و يختلف عن كتاب ما هو كائن
في العالم الأخر في احتفاظ مركب الشمس بشكلها خلال الساعات بالاضافة الي
البوابات ، و مصاحبة الاله العقل سيا و اله السحر حكا لاله الشمس خلال
رحلته و التفاف الاله الثعبان محن حول مقصورة اله الشمس ، و ظهور الثعبان
أبوفيس في الساعة الثانية بدلا من السابعة و قتله ، ثم عودتة للحياة مرة
أخري في الساعتان الحادية عشرة والثانية عشرة و القضاء عليه من خلال إيزة و
يعد أشهر مناظر الكتاب هو منظر المحاكمة الذي يصور أوزير جالسا علي العرش
في الساعة الخامسة و أمامة ميزان ودراجات سلم عليها تسعة آلهة.
و
ثالث تلك الكتب الجنزية كتاب الارض الذي يعود الي الأسرة العشرين ، جاء
الكتاب كاملا في حجرة الدفن الخاصة برمسيس السادس و كذلك رمسيس التاسع و هو
مقسم الي أربعة أقسام A,B,C,D
يغلب علي مناظرالتوابيت والكهوف و لا يعرف تقسيم الساعات و يدعو الي اعادة
ميلاد قرص الشمس و أستمد عدد كبير من مناظره من كتاب الكهوف و هو غير مقسم
لصفوف يتحدث عن رحلة اله الشمس خلال الاله أكر و يظهر الثعبان أبوفيس في
القسم الثاني منه أمام أتوم و قد قتله بسكين و يشتهر بمنظر الاله أكر
المصور علي صورة أسد راقد برأسين في اتجاهين معاكسين أحدهما يمثل الغرب و
الأخر الشرق و يخرج من الوسط ذراعا نون رب المياه الأزلية و هما ممدودان
لاستقبال قرص الشمس و قد أطلق عليه Hornung و نشره piankoff
كاملا عام 1953م ، و علي العكس تماما هناك نصوص مصورة من عهد الرعامسة ،
تصف معالم السماء و التي عرفت بكتاب السماوات تصور الآلهة نوت و الاله رع و
وتوازي كتب العالم الاخر.
أما
عن كتاب النهار فهو يصور الدورة الشمسية علي جسد نوت و يصاحبها قوائم
الآلهة و بعض التعليقات النصية المبسطة التي تشرحه و ظهر منه نسختان
مشهورتان علي حجرة دفن و سقف الممر (و) من مقبرة رمسيس السادس و يعد كتاب
الليل أكثر شيوعا منه و قد صور مصاحبا له في الممر و من مقبرة رمسيس السادس
كما صور علي حجرة دفن رمسيس التاسع
و
هو مقسم الي اثني عشرة ساعة تسبقها مقدمة وتفصل بين الساعات بوابات حيث
يشبه كتاب البوابات في تقسيمة و يعد اكثر كتب السماوات تفصيلا لأن فيه تتم
الرحلة الشمسية علي جسد نوت التي تبتلع قرص الشمس ليلا و تلده في نهار
اليوم التالي.
و
يسجل كتاب البقرة السماوية محاولة اله الشمس إبادة الجنس البشري المتمرد
ثم أسفه علي ذلك وانسحابه من الأرض الي السماء ورغبته في وضع تنظيمات تنطبق
مع ارادته و ظهر الكتاب لأول مرة في مقبرة توت عنخ أمون و هي نسخة كاملة و
كذلك في مقبرة سيتي الأول ، كما صور علي جدران مقبرتي رمسيس الثاني و
رمسيس السادس أما عن ابتهالات الآلهة في عصر الدولة الحديثة كان أشهرها
ابتهالات رع و هي عبارة عن صلوات ذات شكلين صلاة صغيرة و التي ظهرت في
مقبرة تحوتمس الثالث و صلاة كبيرة التي ظهرت لأول مرة في مقبرة سيتي الاول و
الكتاب مقسم لقسمين الاول منه عبارة عن ابتهال لاله الشمس تحت 75 أسماء
تختلف عن بعضها البعض و لكل اسم وظيفة خاصة به ، بينما يضم القسم الثاني
سلسلة من الابتهالات التي تصور الملك متخذا دور الآلهة المختلفة معا و
أهمهم دور اله الشمس .
و
يعتبر كتاب الكهوف الأكثر حداثة و اكتمالا بين الكتب الجنزية و يستمد أسمة
من الحقيقة التي تقول أن العالم الأخر هنا مقسم الي كهوف و فية تظهر
الآلهة والمخلوقات من الموتي المكرمين مصورين في هذه الكهوف داخل توابيت
بيضاوية تضم جثثهم كفكرة مهيمنة علي الكتاب و تؤكد علي فكرة تسميته و يثبت
ذلك في الجملة المكررة عندما يوجه رع حديثة لسكان هذا العالم : يقول رع
لهذا الكهف
وهو
أحد أربعة أضلع رئيسية التي تكون كتب العالم الاخر مع كتاب البوابات
والارض وماهو موجود في العالم الاخر و قسم الكتاب الي ستة فصول و لكن لا
نستطيع صراحة تحديد عدد الكهوف وان يري البعض أنها 56 كهفا من خلال مناظره و
هناك ثلاثة عشرة مصدر للكتاب هي الضريح الأوزيري و مقابر مرنبتاح ، تاوسرت
وست نخت ، رمسيس الثالث و الرابع
والسادس
والسابع والتاسع ، و بردية نجمت الثانية و المقبرة 36 في وادي الملكات ،
مقبرة ثا نفر في ذراع أبو النجا ، مقبرة با دي إمن أيبت و تابوت سقارة رقم
29306.
و
يعد كتاب الموتي تطورا عن نصوص الأهرام والتوابيت و ان اختلف في الأسلوب و
الترتيب و أتفق معها في عدم ارتباط فصوله مع بعضها البعض و كان يوضع في
مقابر العامة من أفراد الشعب و اختلف العلماء في تقسيم كتاب الموتي و عدد
فصوله حيث قسمه lepsius الي 165 فصل بينما ذهب Budge وNaville
الي انه 184 و اخرون الي 200 ، 192 فصل و قدموا لنا عنه العديد من
الترجمات وهو أقدم كتاب مصور كان يصور علي جدران المقابرأوعلي أوراق البردي
بين لفائف المومياء و فوق التابوت وأحيانا داخل تمثال أو في صندوق ، وكتب
في البداية بالخط الهيروغليفي و ابتداء من الأسرة الواحدة والعشرين كتب
بالهيروغليفية المختصرة ثم الهيراطيقة حتي أصبح في العصر الروماني يكتب
بالديموطيقية و هو أكثر الكتب تنظيما ، مكتوب علي شكل أعمدة بدون فواصل و
منظم علي هيئة صفحات ويعد أشهر فصوله الفصل 125 الخاص باعلان براءة المتوفي
من الذنوب و المحاكمة.
و
نختم حديثنا بأن المصريون القدماء عادوا الي استخدام نصوص الأهرام في
العصر المتاخر و التي نقشت علي بعض جدران مقابر العصر الصاوي كما دونت
الكتب الجنزية الملكية والبوابات و الكهوف و ماهو كائن في العالم الأخر علي
توابيت من البازلت والجرانيت و استمر الأمر في العصر اليوناني حيث جاءت
مصورة علي توابيت مؤرخة من هذا العصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق