كتب: سائر بصمه جي:
لغة: كَوّنه فتكوّن: أحدثه فحدث، والكون: الحدث، والكائنة: الحادثة، والله مكون الأشياء: يخرجها من العدم إلى الوجود كما في اللسان. واصطلاحاً: هو اللفظ المستخدم للدلالة على كل ما حولنا، من النجوم التي نراها ليلاً في السماء، والتي تتجمع في مجموعات تعرف بالمجرات، إلى الفضاء الواقع بين هذه المجرات، وما يوجد به من غازات وغبار كوني، بالإضافة إلى أي شيء يقدر له الوجود وراء حدود ما نراه.
ولم يشعر الإنسان شعوراً حقيقياً بوجود الكون إلاّ في نهاية القرن الثامن عشر، عندما اكتشف أنه يسكن على سطح كوكب صغير، في مجموعة شمسية تمثل جزءاً من مجرة تحوي على ألوف الملايين من النجوم، وأن هناك مجرات مشابهة تقع في الفضاء، الذي يمتد وراء هذه المجرة، والتي عرفت في ذلك الحين باسم "الجزر الكونية".
يعرف علماء الفلك اليوم ما يزيد على مئة ألف مليون مجرة، تفصل كل مجرة عن الأخرى مساحة هائلة، وأقرب المجرات إلينا مجرة "المرأة المسلسلة" أو "الأندروميدا" وتفصلنا عنها مسافة تقدر بنحو مليوني سنة ضوئية، بمعنى: أن الشعاع الصادر منها والمنطلق بسرعة
000ر300 كم في الثانية لا يصل إلينا إلا بعد مليوني سنة، مما يدل على أننا لا نعرف شيئاً عن هذه المجرة الآن، فنحن نراها كما كانت في الماضي، وربما تكون قد انفجرت، أو اختفت في الفضاء.
وهذه الحقيقة محيرة إلى حد كبير، فنحن عندما ننظر إلى ما حولنا من نجوم أو مجرات، إنما نراها كما كانت في الزمن الماضي، كذلك أقرب نجم إلى مجموعتنا الشمسية ويدعى "ألفاسنتوري" تفصلنا عنه نحو 4.3 سنة ضوئية، أي تفصلنا عنه ملايين من الكيلومترات.
وبتقدم العلم والمعرفة توصل الإنسان بفكره إلى نظرية خاصة بنشأة هذا الكون، وهى تنص على أن كل ما يحويه هذا الكون من مجرات وغازات وسحب الغبار الكوني كانت ملتحمة معاً في زمن مغرق في القدم على هيئة كتلة مركزية شديدة التماسك والانضغاط، ثم انفجرت هذه الكتلة، وتناثرت شظاياها في جميع الاتجاهات، ثم تحولت بمرور الزمن إلى المجرات الحالية.
الكون هو كل ما يحيط بنا، من فضاء ونجوم ومجرات وكواكب وأقمار وغير ذلك. والكون كبير وضخم بشكل لا يمكن تخيله. لقد رسمت كل حضارة من الحضارات السابقة صورة للكون في أذهانها، عبّرت عن هذه الصورة برسومات تركتها لنا، لكن سرعان ما تتغير هذه الصورة عندما تتوفر أدوات الاكتشاف الجديدة للكون. لقد تطورت رؤيتنا للكون في هذه الأيام بفضل الجهود التي يبذلها علماء الفلك والكونيات، فالفلكيون يدرسون أجزاءً معينةً من الكون، بينما يحاول علماء الكون التعرف على أصل الكون ونشأته والمستقبل الذي سيؤول إليه.
في العصر الحجري
ترك الإنسان القديم الذي عاش في العصر الحجري القديم الأعلى، وما بعده، كمّاً هائلاً من نقوش العظام والعاج العصا الطويلة، ولعل أقدم ما يذكر قطعة الحصى التي عثر عليها في وادي الرافدين و المحززة باثني عشر خطَّاً، وقد فسّرها البعض أنها تشير إلى اهتمام فلكي في ذلك العصر.الكون عند السومريين
يرى السومريون أن الصورة النهائية للكون قد انتهت إلى وضع هذا الكون كله في بحر لا متناه من المياه الأولية التي مازالت تمثل الآلهة السورية الأولى (نمّو). وأن هذا الكون يطفو مثل كرة عملاقة فوق هذه المياه.
الكون عند البابليين
لقد تصور البابليون أن الكون يتألف من مركز ثابت هو الأرض، والتي تبدو على هيئة جبل، يحمله البحر ويحيط به، أما الجبلان الموجودان في الشرق والغرب فهما ليسندا السماء ويمنعاها من السقوط. وتقع مملكة الموتى المظلمة الترابية داخل الأرض. وتنحني القبة الزرقاء الصلبة فوق الأرض وخلالها تتحرك الشمس، والقمر، والنجوم.
لكن البابليين وحدهم، من بين الشعوب القديمة، الذين درسوا علم الفلك بشكل علميّ نسبياً. ومع حلول عام 1500 ق.م. كانوا قد قدروا مواقع النجوم، وكان باستطاعتهم معرفة أوقات الكسوف و الخسوف.
الكون عند المصريين
رأى المصريون القدماء أن الأرض على هيئة إله مضجع، تغطيه النباتات، وتبدو السماء كأنها آلهة تنحني في لطف ورشاقة، يمسكها في الأعالي إله الجو، ويبحر إله الشمس الذي يظهر في المركبين كل يوم مسافراً عبر السماء إلى حيث ليل الأموات.
الكون عند الهنود
بحسب الأساطير الهندية ترتكز الأرض على عدد من الفيلة الواقعة فوق السلحفاة – تجسيداً للإله فشنو- ويسبب انتقال هذه الفيلة أو تبديلها حدوث الزلازل. وترتكز الفيلة بدورها على ثعبان الكوبرى – رمز الماء- .
بعض الشعوب الهندية كان لها اعتقاد آخر بشأن الكون. فالأرض هي جزيرة مستطيلة لها حواف مائلة وهي محاطة تماماً بمياه المحيط والبحر الذي تمخر عبابه السفن وتسبح في أعماقه الأسماك.
الكون عند النورسيين
في الأسطورة النورسية (النورسيون هم أجداد النرويجيين القدماء) فإن شجرة الرماد العالمية هي التي تحمل الكون. لهذه الشجرة ثلاثة جذور يصل أحدها إلى البئر الموجود قرب بيت الآلهة، والآخر للأرض، والثالث يذهب للتنين الموجود في العالم السفلي، حيث الموتى والشياطين.
أما بالنسبة لبيت الآلهة فإنه يقع فوق قوس قزح، ويقع أسفله غابة النار. ويطارد الذئبان في السماء كلاً من القمر الشمس خلال مسيرتهما في السماء العليا، وكأنهما يهربان من الذئبين. أما السماء الدنيا فيحملها أربعة من الأقزام الواقفين على الجبال العالية.
الكون عند الشعوب الأمريكية
لقد كان للسلحفاة دور هام في أساطير ثقافة ما قبل العصر الكولومبي في أمريكا الوسطى. فالأرض كانت في نظر قبائل المايا ترتكز على ظهر سلحفاة تسبح في البحر.
أما شعوب النافاجو، الذين عاشوا في الصحراء الحارة والجافة، فقد اعتقدوا أن الآلهة هي قوس قزح الذي يظهر في السماء، والسماء أبٌّ لقوس قزح يقوم بحراستها مستخدماً جنوده من الرياح الكبرى والصواعق الكبرى.
الكون عند اليونانيين
لقد أخذ اليونانيون معظم علومهم عن الحضارات السابقة، ونشأت لديهم حركة علمية كبيرة أفرزت عدداً كبيراً من العلماء والفلاسفة والمفكرين، الذين كان لكل واحد منهم رؤيته الخاصة للكون. إن مراقبة السماء تعطي فكرة عن حركة الأرض والنجوم التي عالجها اليونان وفقاً لنظرياتهم عن الكون.
• عند أريستارخوس
أكبر عالم فلك قدمته الحضارة اليونانية، وهو أول من قال بمركزية الشمس، قبل كوبرنيكوس بـ 18 قرناً. ولكن لأسباب غير معروفة، أمر أفلاطون بحرق جميع كتب أريستارخوس العلمية. ويقول بعض المؤرخين إن مستوى العلم والمعرفة كان سيتقدم قرنين أو ثلاثة لو كُتب لتلك الكتب البقاء.
• عند تالس
حتى قبل مجيء سقراط، كانت لدى اليونان فكرةً جميلةً عن الكون طرحها تالس في القرن السادس ق.م. وتتمثل فكرته بأن الأرض منبسطة طافية فوق الماء كسفينة تتقاذفها الأمواج مما يسبب الهزات الأرضية، ويبدو في الصورة أرخميدس في الوسط، وحوله العناصر الثلاثة الأخرى: التراب والنار والهواء. أما في الأعلى وعبر السماء فتتحرك الأبراج.
• عند أرسطو
مثّل إيدوكسوس تلميذ أفلاطون الكون على شكل كرات سماوية متشابكة ومتحركة. وذلك لشرح الحركات المختلفة للكواكب. كما تعتبر هذه النظرية من المعالم الرئيسة لصورة الكون عند أرسطو، وهي الانحراف الأكثر عمومية عن النظام البطليموسي.
• عند بطليموس
كان يعتمد بطليموس في نظامه على أن الأرض هي مركز الكون وكل شيء يدور حولها. وقد ألهمته هذا النظام إحدى الملهمات التسع (كما في الأسطورة اليونانية). وقد افترض في نظامه وجود كرات شفافة زجاجية تدور عليها الكواكب والنجوم والشمس والقمر. وباتباعه لمنهج أرسطو أصبح مهندس نظرية الكون وهو هنا يقيس ارتفاع القمر مع ملهمته.
لقد اقترح بطليموس نظامه، مدعّماً بالرياضيات، لحل المشكلات المتعلقة بالأنظمة الأخرى التي تم طرحها. واستطاع من خلال هذا النظام أن يفسر سبب تغير لمعان النجوم، وأن يصف جميع ما يخص حركات الكواكب بقدر كاف من الدقة.الكون في الحضارة الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأثر العرب كثيراً - أول الأمر- بنظام بطليموس السائد، والذي وصلهم عن طريق ترجمة كتابه "المجسطي" . فنرى صورة الكون عندهم قد اعتبرت أن الأرض هي مركز الكون أيضاً، مع إضافة كرة خارجية أطلقوا عليها اسم (المحرك الأول) وهي تنقل الحركة إلى الكرات السماوية الأخرى، على حين تتحرك هي بالإرادة الإلهية.
• البتاني
17 أعظم فلكي في الحضارة العربية في القرن العاشر للميلاد. كرّس حياته كلها للرصد الفلكي من مدينة الرقة السورية. وقد وضع القانون الأساسي في علم الفلك الموقعي (قانون جيب التمام). كما اكتشف تغير أوج الشمس، ووصل لرقم تقريبي لترنح محور الأرض. كما أنه صمم أول تلسكوب فلكي للرصد ولكن بدون عدسات. استطاع من خلاله أن يرصد الكون بدون أشعة طفيلية تعكر الرؤية.
• ابن الشاطر الدمشقي
18 من أبرز علماء الفلك في الحضارة العربية ابن الشاطر الدمشقي(القرن 14م)، فقد أتى لأول مرة بنظرية مركزية الشمس في الكون، قبل كوبرنيكوس، وافترض أن الأرض مثل الكواكب تتحرك حول الشمس. وهي مخالفة صريحة لنظام بطليموس الذي ساد ردحاً من الزمن. وقد كشف بعض المؤرخين عام 1973 وجود مخطوطات لكتب ابن الشاطر في بولندا، يقال إن كوبرنيكوس كان يأخذ منها وينسب لنفسه ما فيها.
الكون في العصور الوسطى
تمخضت خريطة العالم في العصور الوسطى عن شكل أشبه بالقرص. وكان حرف (T) الذي يقسم هذا القرص إلى ثلاث قارات يمثل البحر المتوسط، ونهر الدون، والبحر الأحمر، بينما تقع القدس في المركز. وكان يعتقد أن جنة الخلد تقع في آسيا.
الكون كما تصورته الألمانية هيلداغارد بنغن، التي تبيّن كتابتها أن تدفق المعرفة في القرن الثاني عشر عدّل من صورة الكون المسيحية في العصور الوسطى، وهي صورة تطورت وبلغت الذروة في الكوميديا الإلهية لدى دانتي.
نظام الكون كما يمثله دانتي.
• كوبرنيكوس
لقد بقي العمل الذي قام به كوبرنيكوس بخصوص حركة الكواكب- والذي أكد فيه على نظرية أريستارخوس التي تقول بمركزية الشمس- طي الكتمان مدة أربعين عاماً، قبل أن ينشر عام 1543م. وذلك بسبب المعارضة الشديدة التي أبدتها الكنيسة وأتباع بطليموس تجاه أي نظرية تخالف فكرة مركزية الأرض.
نظرية كوبرنيكوس التي كانت ثورية في زمانها- لم تعد ذات قيمة في عصرنا- فنحن نعلم الآن أنه في الكون اليوم آلاف الملايين من المجموعات النجمية المتباعدة عن بعضها، حيث لا مركز هناك يجمعها، وليست الأرض سوى حبة رمل في هذا الكون الشاسع.
وقد عبر رسام من العصور الوسطى عن نظرية كوبرنيكوس بصورة رجل باحث يتفحص قبة السماء الثابتة مبهوراً بعظمة ما خلفها.
• تيكو براهي
في النصف الثاني من القرن 16م، كان ثمة رجل واحد فقط في أوربا كلها مؤهلاً ليقوم بمهمة تحويل ممارسات الرصد الفلكي إلى علم للرصد الفلكي، هذا الرجل ينتمي لعائلة دانمركية من النبلاء، اسمه تيكو براهي. وقد صمم تيكو الكثير من الآلات الفلكية التي كانت تساعده في عملية الرصد، وتطوير علم الفلكي الرصدي. وفي عام 1576م، وضع الملك فريدريك الثاني تحت تصرفه مرصداً كاملاً في جزيرة هفين حيث أنجز براهي أكبر عدد من الأرصاد الفلكية وأكثرها دقة خلال عشرين سنة.
لكنه وضع نظاماً غريباً (أرضي المركز- شمسي المركز) أسماه النظام التيكوني. فالأرض يجب أن تكون في مركز العالم، أي الشمس تدور حولها. وفي الوقت ذاته، يجب أن تدور الكواكب الخمسة حول الشمس.
• توماس ديغز
عندما أعيد نشر كتاب الدليل الفلكي الشعبي (التكهن الأبدي) والمعد من قبل ليونارد ديغز، نقح توماس ديغز كتاب أبيه وألحق به عملاً قصيراً أسماه (الوصف الكامل)، كما قام بتضمينه ترجمة لعدة مقاطع هامة من كتاب كوبرنيكوس (دوران الأجرام السماوية) و بإضافة مخطط وضعه بنفسه لكون متمركز حول الشمس، أضحى توماس ديغز رائداً لهذا النظام، خاصة و أنه كتب بالإنكليزية بدلاً من اللاتينية، وهذا ما أوصل أفكاره في الفلك إلى جمهور واسع.
وبدمج الفضاء اللامتناهي مع النظام الكوبرنيكي، وببعثرة النجوم عبر ذلك الفضاء، أصبح ديغز بالنسبة لعلم الفلك في القرن السادس عشر، رائد فكرة الكون غير المحدود الممتلئ بمزيج أشعة النجوم الهائلة العدد؛ وفضلاً عن ذلك، كان أول شخص يقوم بصياغة لغز الظلام، وإدراك أن الفجوات المظلمة بين النجوم المرئية تستوجب التفسير.
• يوهان كبلر
في عام 1600م، انضم يوهان كبلر للعمل مع تيكو براهي، ومع كثرة الفروقات التي كانت بينهما، إلا أن كل واحد منهما كان بحاجة للآخر. فكان كبلر يعرف أن بحوزة تيكو الكثير من الأرصاد التي ستمكنه من رسم صورة جديدة ومنسجمة للكون. وكان تيكو يدرك أن كبلر موهوب رياضياً ليثبت صحة نظامه التيكوني.
لكن ما حدث هو أن كبلر بقي على تأييده لنظام كوبرنيكوس، ولاحظ أن مدارات جميع الكواكب قطوع ناقصة، وليست دوائر. مما قاده لوضع قوانينه الثلاثة الأساسية في حركة الكواكب.
مخطط كبلر للكون الكوبرنيكي المحدود في كتابه (الكون الغامض،1596م)
• وليم جلبرت
في كتابه (الفلسفة الجديدة)، الذي نشر بعد وفاته، وضع الطبيب والفيزيائي الإنكليزي وليم جلبرت، تصوره عن الكون. فقد قبل بالشمس مركزاً للمنظومة الشمسية، وكرّس فكرة العوالم العديدة المأهولة. وعلى ما يبدو أنه متأثر بتوماس ديغز، وغيره من علماء عصره.
• غاليليو غاليلي
كان غاليليو أول فلكي يوجه تلسكوباً للسماء، كاشفاً عن خفايا الكون وأسراره التي ظلت مستترة عن العيون لقرون عديدة، ومبدلاً الصورة التي كانت مرسومة في الأذهان. ففي الفترة (1608-1610م) حقق غاليليو اكتشافات كثيرة منها: رؤيته لحلقات زحل وأقمار المشتري، وعرف أن الزهرة لا يظهر للأرض في أي من أوضاعه إلا بشكل هلال، أي بشكل غير مكتمل، واكتشف البقع الشمسية. وقد ضمّن اكتشافاته تلك في رسالته "حوار مع المراسل النجمي" . بالإضافة لتأكده من صحة نظام كوبرنيكوس، والقول بدوران الأرض حول الشمس. ونظراً للتعارض بين اكتشافاته والكتاب المقدس، فقد حُكم عليه بالإقامة الجبرية في منزله حتى الموت.
26-1 لوحة خلق العالم، كما وردت في موسوعة روبرت فلد بين عامي (1617-1619)، وهو طبيب من لندن. حيث يقف فيها آدم و حواء في مركز الفردوس الأرضي وتحيط بهما الكرات السماوية وكرة النجوم الثابتة، التي تقع وراء جنة الخلد ذات النار الخالصة.
• إسحاق نيوتن
27 يعود الفضل لنيوتن بتوضيح القوى التي يتماسك بها الكون. وهي قوة الجاذبية أو قوة الثقالة الناشئة بين مكوناته. ولاشك فإن نيوتن استفاد من أعمال من سبقه من العلماء وخاصة غاليليو و كبلر ليصوغ نظريته في الجاذبية العامة للكون. وقد أصاب نيوتن عندما قال: إن الكون لا متناه في جميع الاتجاهات، بعكس ما كان سائداً ، حين افترض أرسطو أن الكون متناهياً و أيّده بذلك علماء القرون الوسطى.
27-1 نظام الكون لدى القدماء وفق كتاب (الكرات)؛ حيث يجمع هذا المخطط عناصر النظامين الأبيقوري والرواقي، ويمثل بشكل مقبول وجهة نظر نيوتن في الكون عندما كتب (الجاذبية) بين عامي (1666-1668) أثناء سنواته الأولى في كامبريدج.
الكون في القرن العشرين
• ألبرت أينشتاين
28 مع إطلالة القرن العشرين قُلبت صورة الكون رأساً على عقب. فقد أظهرت البحوث التي قام بها ألبرت أينشتاين في نظريته النسبية أن ما نراه من الكون هو ماضيه و ليس حاضره ، بسبب البعد الكبير الذي يقطعه الضوء حتى يصل إلينا من النجوم و المجرات. كما أن شكله محدب وليس مسطحاً كما كان يعتقد. واستطاع أينشتاين أن يفسر التجاذب الكوني بين الأجسام بشكل أكثر منطقية، وهو ما عجزت عنه نظرية نيوتن.
• إدوين هابل
29 لقد فتح هابل من خلال عمله، على مدى عشرين عاماً، أبواب الكون الواسع أمام الإنسانية. فهو أول من تحدث عن تمدد الكون عام 1929م، وليس ثباته كما كان يتوقع أينشتاين ذاته، وقد وصف هذا التمدد الكوني من خلال قانونه الشهير "قانون هابل". وقد أدت أرصاده من مرصد جبل ويلسون إلى الحسم القاطع بأن السدم اللولبية تقع خارج مجرتنا، وحدد مقاييس المسافات، وشدات الإضاءة للنجوم والمجرات، كما وضع معياراً لتصنيف المجرات لا يزال يستخدم حتى اليوم.
• نظرية الانفجار الأعظم
30 في عام 1948 نشر جورج غاموف مقالة، أصبحت تعرف فيما بعد باسم نظرية (غاموف – بيته – ألفر) أو (a , b , g). وهي التي تصف نظرية الانفجار الأعظم (Big Bang) لنشوء الكون. والتي تم التأكد من صحتها في الستينيات. وتتنبأ هذه النظرية أن الإشعاع الكهرطيسي المتبقي منذ تشكل الكون، يجب أن يكون - بعد تبرده مع تمدد الكون - كإشعاع خلفية كونية ذا طول موجي مكروي.
31 كما أن هذه النظرية تقول: بأن كوننا قد نشأ منذ 13.7 مليار سنة، وفق حدث هائل تمدد فيه من حجم رأس دبوس، إلى حوالي (2000 مرة) ضعف حجم الشمس، حيث درجة الحرارة (10000 مليون درجة مئوية)، ثم أخذ بالتبرد و تشكيل الذرات و الجزئيات ومادة الكون التي نعرفها اليوم.
32 ولا يزال يتمدد الكون حتى اليوم، حيث يستدل العلماء على ذلك من خلال ما يسمى بالإزاحة نحو الأحمر لطيف المجرات.
• نظرية الأكوان المتعددة (المتوازية)
33 لقد جنح خيال العلماء للقول بوجود أكوان أخرى غير كوننا هذا، أو عوالم أخرى موازية له، وقد انبثقت هذه الفكرة من عالم الميكانيك الكوانتي أو الكمومي، حيث يمكن وصف الجسيمات الأولية فقط كتجمعات احتمالية. حيث يستطيع العلماء القول باضمحلال الجسيم خلال 20 دقيقة، لكن لا يوجد طريقة تتنبأ بالضبط متى يحدث هذا الاضمحلال؛ وهو عدم اليقين في خواص الجسيم الذاتية. للتخلص من هذه الفوضى الظاهرية، اقترح بعض الباحثين وجود عدة احتمالات في وقت واحد، لكن بشكل متعدد، أكوان متوازية كل واحد فيها مستقل عن الآخر. وهكذا فإن جسيماً سيضمحل في دقيقة واحدة في كون ما، بينما في كون آخر سيضمحل بعد دقيقتين، وهكذا دواليك. وبنفس الطريقة، يمكن لبعض الأشخاص السفر عبر الزمن ليقتلوا أجدادهم، لكن هذه الأحداث بالتأكيد لن تسمح له بالعودة للظهور مرة أخرى. إن مفهوم الأكوان المتعددة يمكنه مساعدة الفيزيائيين للإجابة عن سؤال ماذا حدث لحظة الخلق. أي لحظة حدوث الانفجار الأعظم، أو ربما قبل الانفجار الأعظم !
الكون هبة الله لنا
34 هل خلق الكون من أجلنا فقط؟ ولماذا يعتقد الناس جميعاً فعلاً أنه قد خلق من أجلنا فقط ؟ هل لنرضي ذواتنا ؟ أم لنستدل من خلال تأملاتنا على عظمة الخالق المدبر لهذا الكون؟
تأتي الاكتشافات لتزيد من عمق إيماننا بعظمة وقدرة الخالق تبارك وتعالى.. إذا كان الإنسان منذ أقدم العصور، وحتى عصرنا الراهن لم يستطع أن يفهم أو يستوعب بعقله وفكره حدود الكون ونهاياته، فكيف له أن يحيط بخالق هذا الكون عزَّ وجلَّ..
ولا يزال الكون وصورته الحقيقية أحد الألغاز الكبرى التي يخوض غمارها الفكر البشري بكل ما أوتي من قدرة وإمكانيات. فهل عساه أن يصل لذلك الحل ؟!
المصدر : الباحثون العدد 46 نيسان 2011
2011-05-22
شكل الكون من الأسطورة إلى الحقيقة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق