ما حدث للمصرين العاديين (تمييزاً لهم عن المصريينن النشطاء
الذين كانوا يعملون لسنوات عديدة) ما حدث لهم منذ إنتفاضة 25 يناير هو إستعادة
"الحيز العام" ذلك الذى سُلبوا منه فى العقد الأخير من عهد مبارك تحت
بطش الدولة البوليسية، و"الحيز العام" فى النظرية النقدية هو تلك
المساحة المفتوحة، ميدان، منطقة، ساحة أو ببساطة الشارع الذى يجهر الشخص العادى
فيه بما يشعر ويريد، وهو الذى سابقاً كان مكتظاً بالمخبرين وعملاء النظام وبعرية
البوكس تلملم الخارجين عن قانونها. النشطاء كانوا يتظاهرون أيضاً من قبل على سلالم
النقابات، فى التحرير أيضاً على إستحياء، فى الجامعات، ومهدوا بمحاولاتهم الشريفة
هذه لإستعادة الحيز العام. لكنه لم يعد أبداً للمصريين مثلما عاد فى 25 يناير وهذا
لأن" اهالينا ضموا علينا"
وإكتسب المصريون ايضاً حيزاً عاما جديدا بالتزامن مع الشارع
ولكنه إفتراضى متمثلاً فى مواقع التواصل الإجتماعى التى أصبحت ساحات حقيقية للنقاش
والإختلاف وإبداء الآراء وممارسة السياسة من فوق الكنبة. وأكتسبوا مع الحيزين،
الواقعى فى الشارع والإفتراضى فى الإنترنت، الشجاعة المطلوبة للنقاش والإختلاف
والرفض، ، وإستعادوا طاقة الإبداع الحقيقيى بدون خوف، فظهرت رسومات الجرافيتى
المبدعة فى حيز الشارع، وظهرت القصائد والأغانى والقصص فى الحيز الثقافى
والإفتراضى وظهرت النكات الخلابة تناقش السياسة ولاتقيم لأى كبير وزناً طالما كان
ضد " اصاحبى "الرجل العادى البسيط .إكتسب المصريون مع كل هذا طاقة
مشاركة إيجابية بعد ان كانوا فى العهد القديم قد تركوا السياسة "لناسها"
على إعتبار ان العمل بها تحصيل حاصل فلاشئ يتغير إلا ما تريده السلطة.
بالطبع ظهر مع هذه الحرية الكثير من السلبيات فى نفس تلك
المساحة المفتوحة، الشارع، لأن المصرى الخارج من سجن السلبية والقمع يتخبط يميناً
ويساراً ولا يعرف بالفعل حدود حيزه الخاص فى قلب الحيز العام فظهر كل ما نشهدمن
مخالفات مرورية جسيمة و بناء مخالف فى الأرض الزراعية وبلطجة وخلافه، كذلك على
الإنترنت شهدنا الإشاعات والأخبار والصور المفبركة والشتائم واللجان الإلكترونية.
وحاول معظم الناس توسيع حدودهم الجديدة بسرعة قبل أن يُسلب هذا الحيز المتاح مرة
أخرى. و مع حركات المعارضة الحرة ظهرت الحركات المضادة الموجهة والمصريون الخارجون
بالأمر ولكنى دعونى أركز على الإرادة الحرة وليس إرادة السباحة مع التيار لأن
الأولى تتقدم بينما الثانية تدور فى حركة دائرية، طواف حول الآمر.
المشكل أنه لاسبيل لإرجاع المصريين الى سابق عهدهم من أنزواء
وتقهقر وسلبية. لاعودة للوراء أبداً..إن كنت لاتصدقنى حاول..حاول ان تبتعد عن
النقاش السياسى، عن القلق على البلد ومن فيها، عن سماع النشرات والتحليلات ، عن
ممارسة التحليلات بنفسك، حاول أن تعود إلى سابق عهدك حين كنت تحول مؤشر التليفزيون
من نشرة الأخبار لتشاهد الفوازير أو فيلم عربى قديم..حاول وعِد كم يوماً ستفلح فى
الإختفاء والإبتعاد..سيعطى لك هذا فكرة الى اى مدى كان تورطك فى مسألة الحيزالعام
هذه.
لو وعى النظام الحالى هذا التغير الكبير لبدأ يعيد ترتيب اوراق
اللعبة من جديد ليُدخل اللاعب المصرى الجديد فى الحسبان كما يليق به، ليحترم ما
إكتسبه لنفسه وللسلطة ذاتها من حيز كان قد اصبح فى طى النسيان..وإكتسب هذا بالدم
وبالوجع، وليحقن المزيد من الدماء التى نشم رائحتها، ولوفر علينا عقوداً من الصراع
سُتبقى مصر فى أسفل سلم التقدم.
يبقى الشعب وحده مصدر السلطات..الشعب وحده مصدر السلطات حتى وإن
عانى الصلب والقتل والبتر قروناً طويلة..حتى وإن فُقعت عينيه وقُطع لسانه
وأذنيه..الشعب الذى يظنونه قد إنكفأ للأبد تحت الأقدام يظل نابضاً وحى."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق