2025-08-25

خذلان العمر

 


دكتور محمد الشافعي 

صديقا كنتُ أحسبه ولم يعد!

إنّ الصداقة ليست كلمةً تُقال في مجالس الناس، ولا وعدًا يُلقى على ألسنةٍ تسرع بالكلام وتبطئ بالفعل، بل هي جوهرٌ نادر يُختبر في ساعات الضيق، ويُقاس بميزان المواقف لا بميزان الأمنيات. كنتُ أظنّ أني وجدت في فلانٍ أخًا لا يخذل، ورفيقًا لا يغيب، فإذا بي في محنةٍ كاشفةٍ تميّز بين الذهب والصدأ، وبين الصديق الحقّ ورفيق الطريق.

أُصبتُ، وانكسرتُ، وكانت إصابتي – ويا للمفارقة – وليدة إسراعي إليه، إذ كنت أنزل مسرعًا لنلبي معًا واجب عزاء، فكان هو سبب العثرة التي ألمّت بي. ظننت أنه سيكون أول الواقفين على بابي، وأول الممسكين بيدي في ضعفها، وأول من يُشعرني أن الرفقة لم تذهب هباءً. لكني فوجئت بصمتٍ طويل، لا زيارة ولا سؤال، حتى إذا تحركت غيرةُ زوجتي على وجعي وكلمته، لم يجد سوى أربعين ثانية يجود بها في اتصالٍ بارد، كأنما يؤدي فرضًا ثقيلاً لا رغبة فيه، ثم انصرف عني كأنّ بيننا لم يكن ودّ ولا إخاء.

هنا أدركت أن بعض الأسماء التي نعلّقها على قلوبنا ليست سوى أوهام، وأننا كثيرًا ما نخدع أنفسنا بظلالٍ نُلبسها ثوب الصداقة. فالصديق الحقّ لا يُختبر في الولائم والضحكات، بل في لحظة الكسر حين يحتاج القلب إلى سندٍ والروح إلى دفء.

ولست أحزن على غيابه قدر ما أحزن على وهمٍ طالت عشرته حتى خلتُه صدقًا. أما اليوم فقد علمت أن الصداقة عقدٌ يقوم على الوفاء، فإذا انفرط عِقد الوفاء لم يبق إلا خيوطٌ واهية تُسمى صحبة ولا تساوي في ميزان الحقّ شيئًا.

لقد انقضى زمنُ الوهم، وما عاد في القلب مكانٌ إلا للذين يثبتون وقت البلاء، ويصونون عهد الرفقة بعملٍ لا بقول، وبحضورٍ لا بغياب. أما ذاك الذي كنت أحسبه صديقًا، فقد صار في دفاتر الأمس، وما عاد لي منه سوى ذكرى تُذكّرني أن لا أحمّل أحدًا فوق طاقته، ولا أقدّم من لا يعرف قدر الصداقة إلى مقام الأصدقاء.

ليست هناك تعليقات: