دكتور محمد الشافعي
الحب الأبوي بين التلميذ والأستاذ: رابط المعرفة والمودة
في أروقة العلم، حيث تمتزج الحروف بالأحلام، يولد نوع نادر من الحب، حب لا يعرف قيود النسب ولا تحكمه قوانين الوراثة، لكنه أقرب ما يكون إلى الأبوة. إنه الحب الذي ينشأ بين الأستاذ وتلميذه، ذلك الشعور العميق الذي يتجاوز العلاقة الأكاديمية ليصبح رابطة إنسانية من العطاء والامتنان.
أستاذ... لكنه أب
ليس كل من وقف على منصة التعليم مستحقًا لهذا اللقب، فالأبوة هنا ليست في الشرح ولا في وضع الدرجات، بل في القدرة على احتواء التلميذ، فهمه، توجيهه بحب، والأهم من ذلك أن يشعره بأنه ليس مجرد طالب في قاعة الدرس، بل ابن في ساحة الحياة. كم من أستاذ كان الأب الذي لم يجده تلميذه في منزله، وكم من تلميذ وجد في كنف معلمه يدًا تمتد إليه عندما خذلته الأيام!
إن الأستاذ الحقيقي هو من يرى في نجاح تلميذه امتدادًا لرسالته، من يفرح حينما يراه يتألق، لا لأنه كان السبب، بل لأنه أدرك أن جذوة المعرفة التي أوقدها في روحه لم تنطفئ.
التلميذ... حين يصبح ابنًا للعلم
في قلب كل تلميذ صادق، ينبض حب لأستاذه، حب ممتن، يشبه ذلك الذي يكنه الابن لأبيه حينما يمسك بيده لأول مرة ويقوده على طريق الحياة. قد لا يفهم التلميذ في لحظته الأولى قيمة هذا الحب، لكنه مع مرور الزمن، حين تعصف به رياح التجربة، سيعود بذاكرته إلى تلك اللحظات التي وقف فيها أستاذه إلى جانبه، نصحه، صقل فكره، وربما حتى عنّفه، لكنه كان دائمًا له، لا عليه.
علاقة خالدة رغم السنين
ليس غريبًا أن تجد شيخًا تجاوز الستين، يذكر أستاذه الأول بدمعة حنين، ليس غريبًا أن يظل صوت ذلك المعلم يتردد في ذاكرة تلميذه، يرسم له درب الصواب كلما تاهت به الحياة. إن الحب الأبوي بين الأستاذ وتلميذه لا ينتهي عند التخرج، بل يبقى ما بقي الأثر، وما أجمل أن يكون الأثر علمًا، وتوجيهًا، وحبًا لا يزول.
في النهاية، ربما يكون الأستاذ مجرد عابر في حياة تلميذه، لكن أثره قد يبقى خالدًا للأبد، كأب علّم ابنه كيف يمشي في دروب المعرفة بثقة، حتى وإن افترقت بهما السبل، يظل القلب ممتلئًا بتلك الذكرى النقية، ذكرى حب ولد في ساحات العلم، ونضج بين دفاتر الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق