الرياض: د. حسن محمد صندقجي
العم عطوة قاعد كعادته في المقهى، يحتسي قدحا من الشاي الثقيل الذي لا مثيل له لديه في تعديل المزاج.. و«الغلبان» الحزين عوضين تعب من كل شيء وجاء ليسأله: «يا عم.. مش عارف أنام على أي جهة؟»، واختصر العم عطوة الموضوع وقال بتلقائية وعفوية: «يا بني نام على الجنب اللي يريحك!».
ولو أن ذاته هذا، عوضين الغلبان الحزين، ذهب إلى عيادة الطبيب أشرف، التي في مقابل القهوة بالحارة، وسأله نفس السؤال، ماذا نتوقع أن تكون إجابة الطبيب؟ هل ستكون مثل إجابة العم «عطوة اللي قاعد عالقهوة»، أم ستكون مختلفة؟
ولأن الطبيب أشرف هو الأكثر معرفة، كما يوصف في الحارة، فإن إجابته بالطبع ستكون مثل إجابة «العم عطوة اللي قاعد عالقهوة».
والناس قد ينامون على جانبهم الأيمن، أو جانبهم الأيسر، أو على بطونهم، أو مستلقين على ظهورهم. وحال النوم، قد يتكور أحدهم على جسمه كما الجنين في رحم أمه، أو «يفرد» طوله على السرير. ولكن يبقى السؤال هو: كيف يعرف أحدنا ما الجانب الذي يريح النائم كي ينام عليه، ويريح جسمه ويخفف أمراضه والمعاناة منها؟
* أنواع وضعيات النوم
* يقسم المتخصصون في طب النوم (sleep medicine) أنواع وضعيات النوم إلى 6 أنواع رئيسية. ومن أقوى الدراسات التي تمت حول هذا الأمر، دراسة البروفسور كريس إدزيكاوسكي، مدير خدمات تقييم وإرشادات النوم (UK Sleep Assessment and Advisory Service) في بريطانيا، ونشرت في عام 2005. ويعلق البروفسور إدزيكاوسكي على هذه الأنواع الـ6 بالقول: «قمنا في هذه الدراسة الطبية بتحليل هذه الوضعيات الـ6 للنوم ووجدنا أن كل واحدة منها لها علاقة وطيدة بنوع الشخصية للإنسان». وأضاف: «كلنا يعرف أن هناك ما يسمى بـ(لغة الجسد) body language حينما نكون مستيقظين، ولكننا لأول مرة نتمكن من معرفة ما تقوله لنا وضعية أجسامنا حينما نكون في حالة اللاوعي. والأمر اللافت للنظر أن تحليل ما وراء مظاهر وضعية الجسم خلال النوم، يظهر في الغالب شيئا مختلفا جدا عما قد يتوقعه معظمنا».
ومن خلال دراسة البروفسور إدزيكاوسكي أمكن تحديد 6 أنواع من وضعيات الجسم خلال النوم، وذلك لدى 88 في المائة من المشاركين في الدراسة، الذين تجاوز عددهم 1000 من الجنسين وفي مراحل عمرية مختلفة. والبقية، أي 12 في المائة، لم يعطوا معلومات تفيد بوضوح وضعية النوم لديهم. كما لاحظ الباحثون أن غالبيتهم لا يغيرون عادة وضعية نومهم في الليلة الواحدة، وأن 5 في المائة منهم فقط يغيرونها خلال ذلك. كما لاحظ الباحثون أيضا أن واحدا من بين كل 10 أشخاص يفضل أن يغطي جسمه كله بالبطانية أو اللحاف أو الشراشف. وإليكم أنواع تلك الوضعيات.
* بين «الجنين» و«المتلهف»
* وضعية الجنين (Foetus). وهي تصف أولئك الذين يتكورون ويلتفون كهيئة الجنين في رحم الأم. ويوصف هؤلاء بأنهم قاسون في المظهر ولكن قلوبهم حساسة ومرهفة، وأنهم ربما يكونون خجولين عند مقابلة شخص ما لأول مرة، ولكنهم سرعان ما يرتاحون ويتعاملون بشكل طبيعي وعفوي وتلقائي. وهؤلاء يشكلون أكبر نسبة. ويشكل النائمون بهذه الوضعية نسبة 41 في المائة من عموم النائمين. واحتمالات أن تنام المرأة في هذه الوضعية هي أكبر بمقدار الضعف مقارنة بالرجل. بمعنى أن غالبية من ينامون في هذه الوضعية النساء، ولكن تظل هذه الوضعية هي الشائعة بشكل أكبر أيضا لدى الرجال.
* وضعية جذع الشجرة (Log). وفيها يستلقي النائم على أحد جنبيه، واضعا كل ذراع على امتداد الجانب من الجسم. ويوصف هؤلاء بأنهم سهلوا العِشرة واجتماعيون ويفضلون الوجود في الأماكن المزدحمة بالناس ويثقون بسهولة في الغرباء، وربما يسهل خداعهم. وتشكل هذه الوضعية نسبة 15 في المائة من بين عموم وضعيات النوم.
* وضعية «المتلهف» (yearner). وفيها ينام المرء على أحد جنبيه، مرسلا ذراعيه ممدودتين إلى الأمام، كهيئة شخص متلهف ومتعطش ويرحب ويرغب في شيء ما. ويوصف هؤلاء بأنهم شكاكون وساخرون ومتشائمون، وأنهم بطيئون في اتخاذ قراراتهم. ولكن ما إن يقرروا تنفيذ أمر ما، لا يتراجعون عنه أو يغيروا في خطتهم. وتشكل هذه الوضعية نسبة 13 في المائة من وضعيات النوم للناس.
* «الجندي» و«نجم البحر»
* وضعية الجندي (Soldier). وفيها يستلقي الشخص على ظهره، واضعا ذراعيه على جنبيه. وهؤلاء يوصفون بأنهم في العموم هادئون ومتحفظون ويحسبون بدقة خطواتهم المستقبلية، ولا يحبون الدخول في دوامات المعاناة، ويضعون لأنفسهم ولغيرهم معايير عالية ودقيقة في التعامل من جوانب الحقوق والواجبات. وتشكل نسبة هؤلاء 8 في المائة.
* وضعية السقوط الحر (Freefall). وفيها ينام المرء على بطنه، محيطا بذراعيه الوسادة، ومتجها برأسه إلى أحد الجانبين. ويوصف هؤلاء بأنهم اجتماعيون وطيبو القلب، إلا أنهم يمكن أن يصبحوا عصبيين وغير قادرين على التحمل، ولا يحبون النقد الجارح أو أن يوضعوا في مواقف ذات طبيعة شديدة التطرف. ويشكل النائمون بهذه الوضعية نسبة 7 في المائة.
* وضعية «نجم البحر» (Starfish). وفيها ينام الشخص مستلقيا على ظهره، ومحيطا بذراعية الوسادة من الخلف. وهؤلاء يوصفون بأن لديهم القدرة على تكوين صداقات قوية ويحافظون عليها، وأن لديهم قدرة على الاستماع للغير، وعلى الاستعداد لمساعدة الغير متى ما احتاجوا إليهم. ولا يحبون بالعموم أن يكونوا مركزا للاهتمام من قبل الغير أو أن تسلط عليهم الأضواء. ويشكل النائمون بهذه الوضعية نسبة 5 في المائة.
* وضعية النوم الصحية ومسألة «ما هي الوضعية الصحية الأفضل للجسم حال النوم؟»، هي إحدى القضايا الطبية التي لا تزال محل البحث العلمي. وهناك الكثير من الدراسات الطبية حول هذا الأمر، من النواحي النفسية والنواحي العضوية. وهناك في الطب جانب من البحث العلمي الذي يصنف ضمن دراسات طب وضعية الجسم (Postural medicine studies)، أي فهم تأثيرات الوقوف والانحناء والجلوس والاستلقاء على الظهر والنوم على أحد الجانبين أو على البطن، وغيرها من الأوضاع التي قد يكون عليها الجسم خلال أوقات الحياة. وكثير من النصائح الطبية والإرشادات الصحية حول التعايش مع الأمراض واستفسارات المرضى حولها مبنية على نتائج هذه الدراسات وتفسيراتها الفسيولوجية. ووضعيات الجسم خلال النوم أحد جوانب هذه الدراسات العلمية.
وبالمراجعة العلمية، نجد أن وضعية النوم مهمة نظرا للتأثيرات الصحية المحتملة على كل من التنفس وتتابعه بطريقة سليمة خلال النوم، والحفاظ على معدلات طبيعية لضغط الدم، وتأثيرات وضعية النوم على معدلات الإصابة بنوبات الجلطات القلبية، وتأثيراتها على انتظام عمل أجزاء الجهاز الهضمي، والوضعية الأفضل لنوم الحامل كي تحقق تدفقا كافيا من الدم للجنين، والوضعية الأفضل لنوم الطفل الرضيع لمنع الإصابة بالوفاة، بالإضافة إلى تأثيرات وضعية النوم لساعات على مفاصل الجسم وفقرات الظهر والرقبة وبقية أجزاء الهيكل العظمي للجسم.
نوم الحامل والرضيع وكانت بدايات الإشارات العلمية لأهمية وضعية النوم ضمن الكتاب الشهير للدكتور بينامين سبوك الصادر في 1958 بعنوان «بديهيات العناية بالرضيع والطفل» (The Common Sense Book of Baby and Child Care). وفيه حذر من عواقب وضع الطفل مستلقيا على ظهره خلال نومه، ومعللا ذلك بأن الرضيع لو تقيأ حينئذ فإنه أكثر عرضة للاختناق بمواد القيء الخارجة من المعدة. كما أظهرت دراسات طبية تالية أن نوم الطفل مستلقيا على بطنه يرفع من احتمالات حصول «متلازمة الموت المفاجئ للرضيع» (SIDS). وهو الأمر الذي لخصته دراسة الدكتور غالبيرت وزملائه من جامعة أكسفورد، والمنشورة في عام 2005، التي راجعت بطريقة منهجية جميع الدراسات التي تناولت النصائح والإرشادات الطبية لمنع حصول الموت المفاجئ للأطفال الرضع منذ عام 1940 وعام 2002. وقال الباحثون في خلاصتها إن المراجعة العلمية الدقيقة والمنهجية للأسباب التي يمكن منع حصولها بالنسبة لـ«متلازمة الموت المفاجئ للرضيع» منذ عام 1970 تدل على أنه «لو أمكن التنبه لتلك الأسباب لأدى ذلك إلى منع عشرات الألوف من وفيات الأطفال الرضع أولئك».
ثم تطورت البحوث نحو تأثيرات وضعية نوم الأم الحامل على سلامة الحمل ونمو الجنين. ومؤخرا أثارت مزيدا من النقاش حول هذا الموضوع، إحدى الدراسات الطبية النيوزلندية التي بحثت في جانب الوضعية الأفضل لنوم السيدات الحوامل. وهي الدراسة التي تناولتها الأخبار الصحافية بطريقتها المعهودة في الإثارة، وبنت عليها معلومات غير دقيقة تتبنى القول بأن هذه الدراسة النيوزلندية توصلت إلى إثبات أن النصيحة الطبية هي أن النوم على الجانب الأيسر للحوامل هو الأفضل صحيا، بينما المراجعة الطبية للدراسة نفسها وقراءتها بشكل علمي ومراجعة أيضا التعليقات العلمية عليها، لا تعطينا أي إثبات على صحة الادعاء بأن الباحثين النيوزلنديين أثبتوا ذلك ويتبنون علميا تلك النصيحة.
وبطبيعة الحال لا تنصح الحامل بالنوم على البطن، لأنه سيضع ضغطا أكبر على البطن وسيتسبب في الضغط على مفاصل وفقرات أسفل الظهر. والإشكالية في نوم الحامل مستلقية على الظهر، أنه خلال النوم على الظهر يضغط الرحم والجنين على أوردة البطن الكبيرة، وتحديدا الوريد البابي السفلي (inferior vena cava)، مما يعوق حرية عودة الدم المتجمع من الحوض والأطراف السفلية، إلى القلب. وإذا ما تدنت كمية الدم العائدة إلى القلب تدنت تلقائيا كمية الدم الخارجة من القلب لتغذية أعضاء الجسم وتغذية الجنين نفسه؛ ولذا على الحامل الحذر من النوم بهذه الطريقة. والنصيحة الطبية متفقة على أن الأفضل هو نوم الحامل على أحد الجانبين، الأيسر أو الأيمن، تخفيفا لعبء ضغط الرحم على أوردة البطن الكبيرة وتخفيفا لعبء الضغط على منطقة أسفل الظهر.
ولكن الخلاف الطبي هو: هل تنام الحامل على الجانب الأيسر أم الأيمن؟ والإشكالية هنا هي الكبد والقلب. وبعض أطباء الحمل يفضلون النصيحة بنوم الحامل على جانبها الأيسر، ويعللون ذلك بأن الكبد تقع في الجزء الأيمن من البطن، وتحديدا في الجزء العلوي الأيمن من البطن، وتحت الشق الأيسر من الصدر مباشرة. ونوم الحامل على الجانب الأيسر يخفف من عبء ضغط كتلة الرحم والجنين على عضو الكبد. كما يقولون إن نوم الحامل على الجانب الأيسر يحسّن من جريان الدورة الدموية، مما يعطي الفرصة للقلب كي يضخ الدم للجنين والرحم بشكل أفضل. إلا أن هناك من المصادر الطبية التي تعترض على هذا التفضيل للجانب الأيسر، وترى أن النوم عليه يتسبب في ضغط كتلة الكبد على الرحم، ولا يسلمون بصحة القول إن النوم على الجانب الأيسر مريح للقلب، بل على العكس ومصادر طب القلب تتبنى النوم على الجانب الأيمن دون الأيسر للمصابين بضعف القلب، ناهيك عن الأصحاء.
وكان الباحثون النيوزلنديون قد نشروا في عدد 14 يونيو (حزيران) الحالي في «المجلة الطبية البريطانية» (BMJ) دراستهم حول تأثير وضعية نوم الحامل على معدلات حصول ولادة جنين ميت (stillbirth). وكان واضحا أن الأفضل هو النوم على أحد الجانبين، مقارنة بالنوم على الظهر، في خفض معدلات هذه المشكلة المتعلقة بسلامة حياة الجنين. إلا أن الباحثين أنفسهم قالوا: «هناك ارتفاع طفيف جدا لخطورة حصول هذه المشكلة عند نوم الحامل على شقها الأيمن. وإن ثمة ضرورة لإجراء مزيد من الدراسات لإثبات فرضية (hypothesis) أن النوم على الشق الأيسر أفضل من الأيمن وينصح به طبيا». كما صرح الباحثون بأن دراستهم هي من نوع «دراسة ملاحظة» (observational study) وأن هذه النوعية من الدراسات الطبية لا تحدد إثبات وجود علاقة من نوع السبب والنتيجة (cause-and-effect). وعلقت الدكتورة لوسي كامبيل، الباحثة المشاركة في الدراسة والمتخصصة في طب الحوامل والأجنة في جامعة كنغز كوليدج بلندن بالقول: «لكننا يجب أن نكون حذرين في اتخاذ قفزة كبيرة بالقول إن وضعيات النوم هذه غير النوم على الشق الأيسر، سبب في ارتفاع حصول حالات ولادة جنين ميت. هذا على الرغم من معرفتنا بأن تزويد المشيمة والرحم والجنين بالدم هو أفضل عند نوم الحامل على شقها الأيسر».
* الشخير وانقطاع التنفس
* وتوسعت الدراسات نحو فهم تأثيرات وضعية النوم على سلامة وتتابع عملية التنفس خلال النوم، ومنع الإصابة بحالات «انقطاع التنفس أثناء النوم» (sleep apnea) وحالات «انقطاع التنفس أثناء النوم بسبب السدد» (obstructive sleep apnea OSA) وحالات الشخير (Snoring).
وتقول «الرابطة البريطانية للشخير وانقطاع التنفس أثناء النوم» في إصداراتها الحديثة حول وضعيات الجسم خلال النوم إن «وضعية الجسم تلعب دورا مهما خلال النوم، وغالبا ما تكون الفارق بين نوم جيد ومريح وعدمه. وتتأكد أهميته لدى من يعانون من الشخير ومن حالة (انقطاع التنفس أثناء النوم بسبب السدد)». وهناك عدة دراسات طبية لاحظت أن الأشخاص الذين ينامون مستلقين على ظهورهم هم أكثر عرضة للشخير ولإعاقة جريان هواء النفس خلال مجاري الجهاز التنفسي، مما ينجم عنه حالة «انقطاع التنفس أثناء النوم بسبب السدد». هذا بالمقارنة مع من ينامون على جنوبهم. والآلية الفسيولوجية لهذا هي تأثيرات الجاذبية الأرضية على التراكيب الموجودة في الأقسام العلوية من الجهاز التنفسي، أي الحلق واللسان واللهاة وغيرها. وعند النوم على الظهر، ترفع قوة الجاذبية الأرضية من رجوع اللسان واللهاة إلى خلفية الحلق، وهو ما يصنع ضيقا في مجرى هواء التنفس، وبالتالي إعاقة جريان الهواء بحرية، الأمر الذي يؤدي إلى اضطرابات متنوعة في عملية التنفس. وهذه المجاري التنفسية تكون أكثر ثباتا وأقل عرضة للتضييق أو السدد عند النوم على أحد الجانبين. والأشخاص الذين لديهم تراجع أو ضمور في الذقن، أكثر عرضة للشخير حينما ينامون على ظهورهم.
وأضافت بالقول: «أثبتت إحدى الدراسات أن أكثر من نصف الذين يعانون من حالة (انقطاع التنفس أثناء النوم بسبب السدد) ترتفع لديهم بمقدار الضعف نوبات توقف التنفس خلال النوم على ظهورهم مقارنة بما لو كانوا ينامون على أحد الجانبين». ولخصت عبارات الرابطة البريطانية الموضوع وأوصلت الأفكار الطبية بلغة مفهومة وأغنت عن مزيد من الاستطراد في العرض.
ولكن تبقى مسألة النوم على الجانب الأيسر أو الأيمن. وفي 16 يونيو (حزيران) الحالي نشرت المجلة العلمية «التنفس أثناء النوم» (Sleep Breath)، دراسة الباحثين من قسم القلب بمستشفى بايندير في أنقرة بتركيا بعنوان «تأثير النوم على الجانب الأيمن مقارنة بالأيسر على مؤشر توقف التنفس لدى مرضى انقطاع التنفس أثناء النوم». وفي مقدمة الدراسة قال الباحثون عبارات مهمة منها أن «النوم ووضعية الجسم أثناء النوم لهما تأثيرات بالغة الأهمية على صحة الجسم والقلب والدماغ، وتم تقييمها من خلال عدة دراسات طبية وبخاصة النوم على أحد الجانبين وتأثيرات ذلك على الأمراض». وباستخدام «مؤشر تدني/ توقف التنفس» (apnea-hypopnea index AHI) قام الباحثون بالمقارنة بين وضعيات النوم. و«مؤشر تدني/ توقف التنفس» هو وسيلة إكلينيكية لتقييم درجة شدة توقف التنفس أو تدنيه خلال فترة النوم، عبر عمليات حسابية على عدة متغيرات مثل قياس نسبة الأكسجين في الدم وغيره. وكلما ارتفعت قيمة المؤشر دل ذلك على شدة الحالة لدى المريض، وتقسم الشدة إلى بسيطة (mild 5-15) ومتوسطة (moderate 15-30) وشديدة (severe *30). وبمتابعة نحو 900 من مرضى انقطاع التنفس أثناء النوم، فإن ثلثهم ينام على ظهره، وثلثهم على جانبه الأيسر، وثلثهم على جانبه الأيمن. وكان الأسوأ في قيمة المؤشر هم الذين ينامون على ظهورهم. كما قال الباحثون في نتائجهم: «الذين ينامون على جانبهم الأيسر كان لديهم ارتفاع بدرجة مهمة وأعلى إحصائيا (statistically higher) في قيمة المؤشر مقارنة بمن ينامون على جانبهم الأيمن». وأضافوا في خلاصة الدراسة قائلين: «وجدنا أن وضعية النوم لها تأثيرات مهمة على إحداث توقف التنفس أثناء النوم، وأن النوم على الجانب الأيمن يقلل من تكرار حصول توقف التنفس أثناء النوم، وبخاصة لدى أولئك المرضى الذين يعانون من درجات متوسطة أو شديدة في حالة مرض توقف التنفس أثناء النوم».
* القلب وضغط الدم
* النوم والقلب
* علاقة القلب والأوعية الدموية بالنوم علاقة وثيقة، لم تتضح جوانب مهمة منها إلا خلال السنوات القليلة الماضية. ولا يزال موضوع علاقة النوم بالقلب وأمراضه يحتاج إلى مزيد من الدراسات في جوانب التغيرات القلبية بسبب عدد ساعات النوم، وكيفية وضعية الجسم خلال النوم، وتأثيرات اضطرابات النوم كالقلق والكوابيس وغيرهم، والنوم الليلي أو النهاري، وغيرها من المواضيع التي تحتاج حقيقة إلى بحوث ودراسات. وأمراض القلب والأوعية الدموية واسعة، منها أمراض شرايين القلب، كنوبة الجلطة القلبية والذبحة الصدرية، واضطرابات إيقاع النبض، وأمراض الصمامات، وارتفاع ضغط الدم، وغيرها.
وضمن فعاليات «مؤتمر رابطة القلب الأميركية» في أكتوبر (تشرين الأول) 2004 عرض باحثون من اليابان أولى الدراسات الطبية حول تأثيرات وضعية النوم على ضغط الدم. وذكر الباحثون أن خطورة الإصابة بأمراض القلب ترتفع عند ارتفاع ضغط الدم أو انخفاضه بشكل كبير خلال النوم. وشملت الدراسة رجالا أصحاء ممن ليس لديهم أمراض في القلب ولا يتناولون أدوية لعلاج ارتفاع ضغط الدم. وتبين للباحثين أن نتيجة تغيير وضعية النوم من النوم على الظهر إلى النوم على البطن، ينخفض ضغط الدم بمقدار يفوق 5 ملليمترات زئبق. وقد وصل مقدار الانخفاض أكثر من 15 ملليمترا زئبق لدى 10 في المائة من المشاركين في الدراسة. وقال الدكتور ياسيهارا، الباحث الرئيسي في الدراسة، إن «هذه النتائج تشير إلى أن وضعية النوم ذات تأثيرات على ضغط الدم، والتغيرات الكبيرة في ضغط الدم خلال النوم بفعل تغيير وضعية الجسم من الممكن أن تتسبب في أحداث مرضية بجهاز القلب والأوعية الدموية».
وأفضل وضعية للنوم بالنسبة للقلب كي يؤدي عمله براحة وكفاءة، هي النوم على الجانب الأيمن. وفي هذه الوضعية تعطى للقلب مساحة وحجما رحبا في الصدر كي يعود إليه الدم بكمية كافية من الجسم ويستوعبه في البطين الأيمن ويدفعه إلى الرئتين، وكي يستقبله من الرئتين بعد تزويد الدم بالأكسجين، ويستوعبه في البطين الأيسر، ويضخه بقوة إلى أجزاء الجسم المختلفة.
وفي وضعية النوم على الجانب الأيمن يهدأ النبض كذلك وتقل احتمالات اضطرابه، نتيجة للأسباب المتقدمة في عمل القلب نفسه، ونتيجة أيضا لسكينة وهدوء الجهاز العصبي اللاإرادي، ونتيجة كذلك لكفاءة عمل الرئة وتزويدها للدم بكميات جيدة من الأكسجين. ولعل من أفضل المقالات الطبية في هذا الشأن دراسة المراجعة للدكتور ريمي مارتن - ديو بان وزملائه من جنيف بسويسرا، والمنشورة عام 2004 في مجلة «المجلة الطبية السويسرية الأسبوعية» (SWISS MED WKLY).
وأسوأ أوضاع النوم على القلب النوم على الجانب الأيسر والنوم على البطن، لأنهما يضعان المعدة في مكان غير مريح للقلب، وتحديدا وضع مزيد من الضغط على القلب وعدم إعطائه مساحة وحجما لكي يستوعب الدم ويضخه. وبالتالي إرهاق القلب وإجهاده وارتفاع ضغط الدم، ومن ثم سهولة حصول النوبات القلبية.
وتحدث الأطباء السويسريون في دراستهم عن مجمل الدراسات التي أثبتت أن النوم على الجانب الأيسر أفضل للقلب لدى الأصحاء ولدى مرضى القلب، وبخاصة الذين يعانون من فشل القلب. وأن أسوأ الأوضاع لمريض فشل القلب، التي لا يستطيع البقاء فيها لفترة طويلة، هي النوم على الجانب الأيسر. وقالوا إن النوم على الجانب الأيمن يجعل القلب في مستوى أعلى داخل الصدر، مما يعطيه فرصة أفضل لضخ الدم بطريقة أسهل. وفي هذه الوضعية أيضا يكون وضع الأذين الأيمن منخفضا، مما يسهل ورود الدم إلى القلب بسهولة من الأوردة الكبيرة، وبالتالي يساعد في ضخ كمية أكبر من الدم للجسم وبقوة أفضل.
تأثيرات متنوعة لوضعيات النوم المختلفة شملت دراسة البروفسور إدزيكاوسكي فحص تأثيرات الأوضاع المختلفة للجسم خلال النوم على الصحة البدنية. ولاحظ الباحثون أن وضعية «السقوط الحر» جيدة للجهاز الهضمي، أي النوم على البطن. وأن وضعية «نجمة البحر» ووضعية «الجندي»، أي الاستلقاء على الظهر، تتسببان في الشخير وباضطرابات في النوم، كما أنهما تتسببان في ترجيع محتويات المعدة إلى المريء والفم. وأن هذه الوضعيات الـ3، المتقدمة بالذكر، قد لا تتسبب في استيقاظ النائم، إلا أنها تتسبب في عدم الحصول على نوم مريح واستيقاظ منعش في نهار اليوم التالي.
وكان «المجلس الكندي لنوم أفضل» (Better Sleep Council of Canada) قد نشر في مايو (أيار) 2007 دراسته الإحصائية الواسعة حول أكثر أنواع وضعية النوم التي يفضلها الكنديون. ووجد أن غالبيتهم يفضلون أحد الأنواع الـ6 الشهيرة. ولاحظ البحث أن الغالبية تفضل النوم على أحد الجانبين مع وضع الذراعين على الجانب، أي وضعية «جذع الشجرة»، وبلغت نسبتها 39 في المائة.
وعلق الباحثون عليها بالقول إن النوم على أحد الجانبين هو ما ينصح به طبيا ما دام يثني النائم ركبته شيئا قليلا. وتلاه تفضيل النوم على أحد الجانبين مع ثني مفاصل الركبتين. وبلغت نسبة من يفضلها 28 في المائة. وعلق الباحثون عليها أن هذه أفضل وضعية ينصح بها طبيا مع النصيحة بوضع وسادة بين مفصلي الركبتين، كي يحصل دعم طبيعي لمفاصل الوركين وأسفل الظهر. ثم النوم بالاستلقاء على الظهر والذراعين إلى الجانبين، وبلغت نسبة من يفضلونها 15 في المائة. ويليه النوم على البطن، وبلغت نسبتها 8 في المائة.
وعلق الباحثون على ذلك أن النوم على البطن لا ينصح به طبيا لأنه يتسبب في الضغط على فقرات أسفل الظهر والعنق، بالإضافة إلى الكتفين. وإذا فضل المرء ذلك فعليه وضع وسادة تحت الرأس ووسادة أخرى تحت مفصل الوركين في الحوض.
وبلغت نسبة من يفضلون النوم بالاستلقاء على الظهر والذراعين حول الرأس ممسكتين بالوسادة، نحو 5 في المائة. وعلق الباحثون أن النوم على الظهر في هذه الوضعية يخفف الضغط على فقرات أسفل الظهر، وذلك لمن يعانون من مشكلات في الفقرات أو غيرها من تراكيب أسفل الظهر. وضمن إصداراتهم الطبية، نشر الباحثون من كليفلاند كلينك إرشاداتهم حول أفضل الأوضاع للجسم خلال النوم، التي تضمنت النصح بعدم النوم على أحد الجانبين حال ثني الركبتين إلى حد لمس صدرك، أي التكوير الشديد للظهر. وأيضا تجنب النوم على البطن، وبخاصة عند النوم على مراتب رخوة، لأنه يرفع من الضغط على أسفل الظهر.
وقد يستغرب البعض أن «الأكاديمية الأميركية للأمراض الجلدية» (AAD) ذكرت وضعية النوم كأحد العوامل ذات الصلة بترهل الجلد ومظاهر الشيخوخة على الوجه. وقالت إن «وضع الوجه على الوسادة في نفس الموضع لسنوات طويلة يؤدي إلى ظهور خطوط من التجاعيد (wrinkles) على الوجه، وتسمى (خطوط النوم) sleep lines. وهذه الخطوط تنطبع مع الوقت على سطح الجلد ولا تزول بعد ذلك حتى لو غير النائم وضعية رأسه خلال النوم. والنساء أكثر عرضة لظهور هذه الخطوط لديهم على الخدود أو الذقن، والرجال أكثر عرضة لظهور هذه الخطوط لديهم على الجبهة، لأنهم غالبا ما ينامون ضاغطين بجباههم إلى أسفل على الوسادة».
وتلاحظ المصادر الطبية أن النوم على البطن لا يعطي لعضلات الرقبة والرأس وضعا مريحا ومسترخيا، مما يتسبب بالشد العضلي فيهم، وبالتالي الصداع. ومن أكثر أنواع الصداع شيوعا نوع «صداع التوتر» (tension headache)، الذي يحصل فيه شد عضلي في عضلات الرأس والرقبة وبالتالي الشعور بالصداع.
وتشير إصدارات وزارة الصحة الأميركية إلى أن وضع العنق في أوضاع غير طبيعية وغير مريحة أحد أسباب «صداع التوتر»، كما أن تغيير الوسائد وتغيير وضعية الجسم خلال النوم، من وسائل منع حصول هذا النوع من الصداع.